الآثار السلبية لتوقف المساعدات الأمريكية عن الشمال السوري المحرر
في ظروفٍ صعبة وحرب دموية، يعيش أكثر من خمسة ملايين إنسان في المناطق المحررة شمال غرب سوريا، بعد عمليات التهجير والنزوح الكبيرة التي شهدتها معظم المناطق التي نادت بالحرية والكرامة.
وأصبحت المنطقة من أكثر المناطق كثافةً سكانية في العالم، فسميت سوريا الصغرى في تعابير البعض، لاحتوائها على مختلف أطياف الشعب السوري من كافة المدن، بالإضافة الى أنها منطقة ريفية لا تحوي الكثير من المباني السكنية ما جعل معظم الذين هجّروا من المناطق الأخرى يعيشون في مخيمات وتجمعات في الأراضي الزراعية لا تقيهم قساوة ظروف الطبيعة.
وتقع هذه المنطقة تحت خط الفقر بسبب ظروف الحرب وتعطل معظم المصالح فيها كما أنها لا ملك أية موارد وثروات ولا حتى منافذ مائية، ويعيش شعب هذه المناطق على المساعدات الإنسانية المقدمة عبر المنظمات من الدول الأخرى، وخاصة القطاع الطبي والتعليمي وكافة المشاريع التنموية والإنتاجية والتوعوية والتي تعمل تحت إشراف منظمات خارجية وتتلقى الدعم الخارجي لعدم قدرة تلك المشاريع على العمل بدون تمويلٍ لها.
وبعد التخبط الكبير في القرارات الدولية وعجز الولايات المتحدة عن اتخاذ قرار صارم يحد من معاناة السوريين وإيقاف حمام الدم الذي يعيشه الشعب في ظل القصف الممنهج عليهم بكافة أنواع الأسلحة من قبل نظام الأسد وحلفائه، وفشل العالم بأسره من الحد من التغيير الديموغرافي الذي تمارسه الحكومة الروسية على الشعب السوري وجعل الشمال السوري هو الجهة الوحيدة لكل من طالب بالحرية، أو أن يواجه الموت تحت آلة القتل الفتاكة، يأتي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب” بالانسحاب من المنطقة وإيقاف المساعدات عنها، تاركاً وراءه أجراماً روسياً يفتك بالشعب، في حين يتواجد في المناطق الشمالية السورية عدد كبير من الفصائل الثورية والجيش الحر البعيدة كل البعد عن التنظيمات “المتطرفة”، وتتواجد فيها كافة فعاليات المجتمع المدني الذي لا علاقة له بالأمور العسكرية، وكان هذا القرار في أصعب مرحلة من تاريخ الثورة وأشدها قساوة على المدنيين في محافظة ادلب وريف حلب، في ظل الازدحام السكاني والفلتان الأمني الذي تعيشه المنطقة وتدهور القطاع الطبي والتراجع الكبير في المستوى التعليمي وضعف القطاع الإعلامي.
وفي حال توقفت المساعدات الأمريكية التي تغذي قطاعات عدة في الشمال السوري هذا سيؤدي بالدرجة الأولى إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة والفقر في المنطقة وتدني المستوى الصحي الذي يعتمد أكثره على المساعدات الأمريكية وبالتالي خروج هذا القطاع عن العمل وتفشي الأمراض والأوبئة وازدياد المعاناة مع استمرار القصف الذي تعيشه المنطقة.
أما القطاع التعليمي الذي يعيش أسوء حالاته بسبب استهداف المدارس من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي الذي يعتبره الشعب السوري من ألدّ أعدائه، ستزداد المعاناة إذا ضعف التمويل أو انقطع والذي بدوره سينشئ جيلاً جاهلاً يزيد من معاناة الشعب السوري في المستقبل.
النشاط الإعلامي في المناطق المحررة الذي يعتمد قسم كبير منه على المساعدات الأمريكية يعمل على نقل حقيقة الإجرام الروسي للعالم ويوثق جرائم الأسد بحق الإنسانية والإنسان السوري، أيضاً لن يستطيع العمل من جديد بسبب عدم قدرة المراكز التدريبية على تأهيل كوادر جديدة للعمل في هذا المجال، وبالتالي طمث الجرائم المرتكبة بحق شعب طالب بالحرية والكرامة وتحفيز كبير لنظام الأسد وشركائه في قتل المزيد من السورين، دون إيصال صوتهم الى أحد.
وبعد عبارات ملساء من الرئيس الأمريكي دغدغت مشاعر الشعب السوري، الذي كان يأمل أن ينال حريته ويجد من يدافع عن قضيته، والخروج بمظهر البطل والحديث بالملء عن الإنسانية والتغني بها، يأتي هذا القرار الصادم الذي يهدد نشاط السكان وصحتهم وثقافتهم في الشمال السوري.
ويساهم انقطاع المساعدات الأجنبية عن الشعب السوري في إزياد معدل الجريمة لارتفاع مستوى الفقر وفقد الآلاف لوظائفهم في كافة القطاعات وبالتالي انخفاض العمل التجاري والحركة في الأسواق، والذي سينعكس سلباً على هذه المنطقة الشبه المحاصرة، التي تحوي الملايين من الناس الذين يعيشون على المساعدات الخارجية، وتوقف الدعم عنها سيترتب عليه كارثة إنسانية هي الأكبر في العصر الحديث.
وهنا يكون الشعب السوري الذي خرج يطالب بالحرية وكرامة الإنسان، خسر ثورته وخسر وطنه أولاً، وها هو يخسر عمله وينتظر مصيراً مجهولاً يحدق به مع من تبقى من أبنائه وبقايا منزل يعيش تحت سقفه أو خيمة تلفح أروقتها وجهه الحزين.
محمد العباس (كفرنبل، ادلب)