مواطنون بلا وطن
بعد الخامس عشر من شهر آذار لعام 2011 وخروج الشعب السوري بأصوات الحرية والكرامة، صب نظام الاسد جام غضبه على هذا الشعب الثائر وقابلهم بأشد أنواع القمع والعذاب وجابه صدورهم العارية بالرصاص والبارود.
وكلما اشتد الكرب وزاد البلاء على هذا الشعب، زاد إصراراً على نيل الحرية، خرج الكبير والصغير من شرق سوريا ومغربها وشمالها وجنوبها ليهتفوا بصوت واحد “الله سورية حرية وبس”.
هذا ما فهمه نظام الاسد، بأنه تمرد على مزرعتهم الخاصة، وبدأوا بقتل الشعب الثائر واحداً تلو الآخر ويوماً بعد يوم، وأعلونها حرباً على شعبٍ أعزل، يحمل أغصان زيتون بيدٍ وأكفانه بيدٍ أخرى، وسط صمتٍ دوليٍ رهيب ومباركة من بعض دول الدكتاتورية والطائفية.
فبدأ الصراع المسلح بين الحق والباطل بين أبناء الشعب وعبدة الدكتاتورية وعاشقي الحرية والراكعين للعبودية
أشعلها أبناء الجيش الحر بأسلحة بدائية وأعداد لاتقارن بآلة حقد الأسد، وبدأوا بالدفاع عن أرضهم وشعبهم، حتى وصل أبناء الحر الى ما يقارب ثلثي مساحة سوريا، وشارف على تحقيق ما بدأ فيه ودفع ثمنه آلاف الشهداء.
لكن هذا الحال لم يعجب الحاقدين والطامعين بخيرات هذا الوطن وأرادوها حرباً طويلةً تنهك الحجر قبل البشر ليقبل بأرخص الأثمان.
وهنا استقدم نظام الإجرام الأسدي مليشيات طائفية لاتفرق بين الصغير والكبير ولاتعرف سوى سفك الدماء، متغذين على حب القتل والحقد الطائفي، وبدأوا الفتك بالشعب السوري، قتل ودمار تهجيرٌ وترحيل، لم يكتفوا بهذا الحد حتى اجمع المجتمع الدولي على معاقبة هذا الشعب الذي كانت حريته سبباً لقتله.
فاستقدموا الدول الأكثر إجراماُ ودكتاتورياً وطائفية لمساندة نظام الاسد، ولعبت دول اخرى أدوار سياسية لتظهر وكأنها المخلص وحمام السلام بالنسبة للشعب الذي بات يعاني من أشد انواع العذاب ويمارسُ بحقه أبشع أنواع القتل والعذاب.
وبدأت المراوغات السياسية ولعبت الدول الكبرى مرحلة البيع والشراء وبدأوا يتقاسمون الكعكة، وأصبح الشعب السوري تحت رحمة وقذارة دول التجارة العالمية وماتسمي نفسها الأمم المتحدة.
بيع وشراء هنا وهناك من دولة الى أخرى والخيار أما القبول أو الموت أصبح الجلاد هو الضامن والمخلص، وأصبح الغرباء هم أصحاب الديار، وأصحاب الديار هم الغرباء.
هجرة وتهجير طالت مايقارب ال 15 مليون سوري، بين الدول الغربية والعربية وبين مدن وبلدات الداخل السوري وتطبيق تهجير لكل من بقي ثابت على موقفه في مواجهة قاتل شعبه، فكان الموت أو الهجرة الى ادلب هما الخياران الوحيدان أمام الشعب الثائرمن باقي المحافظات السورية حتى فرغت مئات المدن والبلدات من سكانها لتصبح خالية وكأنها مدن اشباح يملأها الدمار والخراب وبعضاً من ركام المنازل.
تناثر سكان تلك البلدات بين أشجار الزيتون في العراء وفي مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة صحراء لاترحم كبيرهم قبل صغيرهم، منتظرين لقمة طعامٍ من هذا وشربة ماء ذاك، يواجهون الموت بأنواع وأساليب مختلفة.
وأصبحت ثروات وطنهم من السواحل والمعابر والممرات وكل خيراتها، بيد من شارك في كل ما أصابهم من قتل وتهجير بشكل مباشر وغير مباشر ليبقى الجلاد في مكانه ويصبح الغرباء أصحاب الديار والمواطنون بلا وطن.
محمد سعيد العباس (كفرنبل_إدلب)