الشمالُ السوري.. معاناةٌ تفوقُ المعاناة
عاشت مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي أصعب الظروف وذلك بسبب رفض أهلها الظلم والاستبداد في ظل حكم جبري فرضه آل الأسد منذ توليهم الحكم في السبعينيات، وحتى تاريخنا الحالي.
ومع انطلاق الثورة السورية المباركة انتفض الريفان وخرجا إلى ساحات الحرية، ولنسائهم نصيب من العزة والكرامة وحتى أطفالهم كانوا رجالا في معظم المواقف، لم يكن سكان ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي إلا من أوائل الثوار منذ أيام أغصان الزيتون حتى أصبحوا من عشاق الشهادة في سبيل تحقيق الحرية والكرامة ودفاعاً عن أعراضهم وشرفهم، ولم يعرف عنهم إلا بسالتهم وشجاعتهم في المعارك والمواقف في كل وقت وحين.
على الرغم من أن الريفين ينتميان لمحافظتين مختلفتين هما ادلب وحماة الى أن القدر واحد والمصاب واحد وكان فرحهم واحد وحزنهم كذلك الأمر، فهما في خندق واحد في وجه ظالم متجبر وعدو حاقد لا يعرف الرحمة ولا الشفقة.
احتضن أهالي ريف إدلب الجنوبي معظم النازحين من ريف حماة بعد سيطرة آلة الحقد العسكرية الأسدية على قراهم، وأصبحوا من أهل الديار وبعدها عاشت المنطقة نوع من الهدوء بعد تلك الحيلة اللعينة التي قضت على الثورة السورية، لعنة خفض التصعيد تلك الحيلة الروسية اللعينة التي كادت أن تنهي الثورة السورية لولا بسالة أبناء ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي وبعض الشرفاء من باقي المناطق النازحة والمهجرة من مناطق أخرى.
وبعد أن تمكنت قوات الأسد من السيطرة على معظم المناطق الثائرة جنوب وشرق سوريا بالحيلة والقتل والدمار والتهجير والتشريد، ولم يبقى من الثورة سوى إدلب وبعض الأرياف المجاورة لها، بدأت كذبة مكافحة الإرهاب ومحاربته وبدأ الحديث عن إدلب وبدأت السياسة اللعينة ونقاط المراقبة وخفض التصعيد والعمليات المحدودة، حتى ضربت روسيا كل اتفاقياتها وسياستها بعرض الحائط وبدأت الحرب وهنا بدأت المعاناة… بدأت آلة الحرب وبدأ القتل والدمار.
أصبح سكان ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي ينامون على صوت هدير الطائرات ويستيقظون على ركام منازلهم وأشلاء أبنائهم حتى اضطروا إلى النزوح على الحدود السورية التركية ومناطق أخرى بريف ادلب الشمالي وهنا بدأت معناة أخرى.. مرارة النزوح وقساوة الحياة مع ضعف كبير في الإمكانيات.
هرب أطفال ونساء وبعض شياب ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إلى المناطق الشمالية من ريف ادلب هرباً آلة القتل الأسدية الروسية وحقد الطائفية التي ترافقهم، فوجدوا معاناة تفوق معاناة القتل والتشريد وهي الإستغلال..
فأصبحت مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد تطبق بحذافيرها، لم يرحم سكان الشمال من أتى إليهم هارباً من الحرب فكانت المنازل بالدولار وفقط عليك أن تقول أنا من المكان الفلاني حتى يضرب السعر بعشرة ومن لم يستطع استئجار منزل لعائلته لجأ الى العراء وتحت ظلال الأشجار التي هي الأخرى أصبحت مقابل المال، فإما ان تدفع أو ترحل من هنا كانت هي مقولة الجشاع والطامعين الذين لا يختلفون عن آل الأسد بشيء.
لم يعي سكان تلك المناطق أنهم ينعمون بالأمان بسبب أبناء من أتاهم هارباً ولاجئاً من الحرب، لم يعرفوا أن كل ما جمعوه من مال وعقارات وغيرها هي بسبب من يقفون على الثغور سداً منيعاً في وجه حقد الأسد وشبيحته لم يعرفوا أنهم سيصبحون نازحين ولاجئين في مناطق أخرى لولا بسالة أبناء ريفي ادلب الجنوبي وغيرهم من الشرفاء.
هذا هو الحال بعد النزوح لم اتطرق في حديثي عن الشرفاء بسبب كثرة الفاسدين والطامعين والاستغلاليين في تلك المناطق ولكن هذا لا يعني أنهم غير موجدين ولكنهم قلة قليلة.
سأسرد في كتابتي قصة صغيرة ولها معنى كبير أرجو من جميع سكان الشمال أن يفهموها، ” ذات يوم وعلى أحد أرصفة قرية في ريف ادلب الشمالي رأيت شيخاً كبيراً في السن تجاعيد وجهه ونظرة عينيه تدل على حزنه وحرقة قلبه، فأقبلت عليه فرحاً برؤية أحد أبناء منطقتي وصافحته بحرارة فرد السلام مع ابتسامة اختلطت بها دموعه التي لا تكاد تنزل من كثرة تجاعيد وجهه، فسألته ما بك يا عم لماذا كل هذا الحزن فرد في بضع كلمات قال لي آآآآخ يا عم لدي ثلاثة أولاد على الثغور يدافعون عن دينهم وأرضهم وعرضهم فقلت له تقبل الله طاعتهم فقال لي ماذا لو أجبرتهم على ترك الجهاد وفعل كل أب مثلي وسحب أولاده هل سيبقى من يستغل نزوحي وأين سيصبحون من يستغلوننا هنا، لم أستطع الإجابة عليه فقلت له نسأل الله الفرج القريب وودعته ثم رحلت”.
في هذه القصة القصيرة تتجسد معاناة من تركوا أبنائهم تحت ازيز الرصاص وأهوال الانفجارات وهم حائرون من أين سيتمكنون من دفع ثمن اجرة منزل لا تقبل الا بالدولار، وغيرها من المعاناة التي لا تعد ولا تحصى.
إعداد: محمد سعيد العباس