حتى الحشرات تشعر بالألم المزمن بعد الإصابة
عرف العلماء منذ عام 2003 أن الحشرات تعاني من شيء ما يشبه الألم إثر تعرضها لإصابة ما، إلا أن نتائج الدراسة الجديدة -التي نشرها البروفسور جريج نيلي وزملاؤه من جامعة سيدني في مجلة ساينس أدفانسز في العاشر من يوليو/تموز 2019- تثبت لأول مرة أن الحشرات تعاني أيضا من الألم المزمن الذي يستمر فترة طويلة بعد أن تلتئم إصابتها الأولية.
الألم والحشرات
لم يسبق لنا كبشر أن فكرنا في شعور الحشرات بالألم، في حين تم التركيز بشكل أكبر على آلية استشعار المنبهات الخطيرة وتجنبها عند الحيوانات الفقارية، وتم توصيفها على أنها الإحساس الذي يكتشف المنبهات الضارة المحتملة مثل الحرارة والبرودة، أو الإصابة الجسدية ويعمل على تجنبها، وأشار إليها الباحثون في دراستهم إلى ذبابة الفاكهة بكلمة “ألم”.
وفي تعليقه على الدراسة، صرح البروفيسور نيلي على صفحة الأخبار في موقع جامعة سيدني بأنه “كنا قد علمنا أن الحشرات يمكن أن تستشعر الألم، لكن ما اكتشفناه الآن هو أن الإصابة يمكن أن تؤدي إلى فرط الحساسية طويلة الأمد لكافة المنبهات، سواء أكانت مؤلمة أم عادية وغير مؤلمة بطريقة مماثلة لتجارب المرضى من البشر”.
ويعرف الألم المزمن بأنه ذلك الألم الذي يستمر بعد أن تلتئم الإصابة الأصلية، ويأتي عادة في شكلين: الألم الالتهابي وآلام الأعصاب. واهتمت دراسة ذباب الفاكهة “بآلام” الاعتلال العصبي، تلك التي تحدث بعد تلف الجهاز العصبي، ويصفها عادة البشر بالألم الحارق.
اختبار الألم في ذبابة الفاكهة
في هذه الدراسة، قام البروفيسور نيلي والكاتب الرئيسي ثانغ خونغ -من مركز تشارلز بيركنز بجامعة سيدني- بإصابة أحد الأعصاب في إحدى سيقان ذبابة الفاكهة، ثم تركت فترة لتتعافى بشكل كامل.
وبعد التئام الجرح في الساق المصابة، وجدوا أن السيقان الأخرى للذبابة أصبحت شديدة الحساسية. وعلق البروفيسور نيلي على هذا قائلا “بعد إصابة الحشرة مرة واحدة بشكل سيئ، تصبح شديدة الحساسية وتحاول حماية نفسها بقية حياتها”.
وعمل الفريق على تفسير هذه الظاهرة تشريحيا، فوجدوا أن الذبابة تتلقى رسائل “الألم” من جسمها، لتنتقل بعدها عبر الخلايا العصبية الحسية إلى الحبل العصبي البطني، حيث توجد خلايا عصبية مثبطة تعمل مثل “مكابح أو بوابات” تسمح أو تمنع تصور الألم.
وبهذا وجد الفريق أنه بعد حدوث الإصابة يقوم العصب المصاب بتفريغ كامل حمولته في الحبل العصبي، ويعطل بذلك جميع مكابح الألم إلى الأبد. وبهذا تختفي بقية المكابح عن بقية أعضاء الحيوان، وتتغير بذلك عتبة الألم لتصبح أعضاء الحيوان لاحقا شديدة اليقظة والحساسية.
يعتبر فقدان مكابح الألم ضروريا في عالم الحيوان، وذلك من أجل استمرارية البقاء، لكن عندما يتعلق الأمر بالبشر، فإن هذا الفقد يجعل حياتنا تعيسة، وبالتالي فإننا نحتاج إلى استعادة تلك المكابح كي نعيش حياة مريحة من غير ألم.
وتوصلت هذه الدراسة إلى أن الخطوة الحرجة -التي تسبب “ألم” الاعتلال العصبي لدى الذباب والفئران وربما البشر- تتمثل في فقدان مكابح الألم في الجهاز العصبي المركزي. ومن هنا ستتركز جهود العلماء حاليا على تطوير علاجات جديدة للخلايا الجذعية، وعلى تركيب أدوية تستهدف علاج السبب الأساسي للألم.