دماءُ الشهداء ميلادٌ جديدٌ لحياةٍ تُقدِّرُ معنى الإنسانيَّة
أهمُّ الأحداث في السنة الثانية من الثورة
إنَّ الثورةَ هي حربُ مشاعر يخوضها الإنسانُ بينه وبين ذاته قبل أن يعبَّرُ عنها من خلال هتافه في الساحات والشوارع، حربٌ يجتمعُ فيها الإنسانُ الثائرُ والإنسانُ الطبيعي، وتختلطٌ فيها القوَّةُ والتضحيَّةُ والنضال، ولا بدَّ لأصحاب الثورة أن يكملوا ما قاموا به لأنَّ من يقعدُ وسط الطريق سيظلُّ بدولاب الأراذل يعرك، وأهلُ سوريا شقَّوا الطريق دون قعودٍ أو رجوع.
بعدَ كلِّ التحوَّلاتِ والأحداث الذي شهدها العامُ الأوَّلُ من الثورة السوريَّة، وبعد أن عجز نظامُ البعث عن إخماد المظاهرات والهتافات، كان لا بدَّ للشعب السوريَّ أن يكملَ ما ثار من أجله ليدخل في عامٍ جديدٍ شهد الكثير من الأحداث والتطوَّرات.
في آذار عام 2012 سيطرت قواتُ الأسد على حي باب عمرو بعد ستَّة وعشرين يوماً من القصفِ والعنفِ والبطش، حيثُ استشهد مئات المدنيين من سكَّان الحي، الأمر الَّذي دفع العقيد “رياض الأسعد” قائد الجيش السوري الحر إلى الانسحاب من الحي الَّذي يعتبر ذي الرمزية الكبيرة في مدينة حمص.
وفي 10 آذار شنَّت قوات الأسد هجوماً عسكريَّاً عنيفاً على محافظة إدلب حيث يتواجد الجيش الحر ما أدى لاندلاع معارك عنيفة بين الطرفين أسفرت عن مقتل العشرات، وفي 13 من الشهر ذاته ارتكبت قوات النظامِ مجزرةً مروَّعةً في حمص وتحديداً في حي كرم الزيتون وحي العدويَّة راح ضحيَّتها أكثر من 477 امرأة وطفل، وكان دم الشهداء هو حبرٌ يخطُّ الطريق أم المتظاهرين والثوّار لمواصلة الثورة.
في شهر نيسان تجدَّد القصفُ من قوات الأسد على كلٍّ من حمص والرستن والقصير وجسر الشغور وجبل الزاوية بريف إدلب، وبلدات اللطامنة وكرناز بريف حماة، وحيَّان وبيانون ورتيان بريف حلب ما أدى لحركة نزوحٍ كبيرةٍ للأهالي باتجاه تركيَّا.
في الخامس من نيسان سيطرت قوات الأسد على مدينة تفتناز بريف إدلب بعد تمهيدٍ عنيفٍ بالمدفعيّة الثقيلة والدبابات والطائرات المروحيَّة المتواجدة في مطار المدينة مخلَّفةً ما يقارب 50 شهيد.
وفي السادس من نيسان قتلت قواتُ النظام أكثر من خمسين مدنياً في جمعةٍ أطلق عليها المتظاهرون جمعة “من جهز غازياً فقد غزا” استشهد معظمهم في حمص، وقسمٌ منهم في أحياء الميدان وكفرسوسة والقدم ونهر عيشة بريف دمشق الَّذين طالبوا بتسليح المنشقين عن جيش الأسد.
وفي شهر أيَّار انخرطت مدينة حلب في الثورة والتي تعتبرُ المدينة الاقتصادية الأولى في سوريا، وتبنت أحياؤها مبادئ الثورة ومثلَّت جامعتها الرحم الَّذي خرجت منه أولى المظاهرات التي قوبلت باضطهاد من الشبيحة وقوى الأمن، في الشهر ذاته تمكَّن لواء التوحيد بقيادة “عبد القادر الصالح” التوسع في المدينة بعد معارك ضروس مع قوات الأسد وتمكَّن من تحقيق انتصار استراتيجي رغم آلة القمع الأسديَّة.
شهد شهرُ حزيران تطوّراً كبيراً تمثَّلَ بانشقاق الطيَّار “حسن المرعي حمادة” بطائرته وهبوطه في الأردن، وفي 22 من الشهر ذاته قامت دفاعاتٌ جويَّةٌ تابعة للنظام بإسقاط طائرةٍ حربيَّةٍ تركيَّةٍ شرق البحر المتوسط، وفي أواخر الشهر دعا المبعوث الأممي في سوريا “كوفي أنان” الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن لعقد مؤتمرٍ والاتفاق على انتقالٍ سياسيٍّ بقيادة سوريا وانهاء العنف والقتل، ورغم كلِّ المفاوضات استمرَّ الشعبُ الثائر بالتظاهر والجيشُ الحرُّ بالقتال والتصدَّي لقوات الأسد.
وفي شهر تموز قتل أربعةٌ من القادة الأمنيين البارزين، بينهم “داود راجحة” وزير الدفاع و”آصف شوكت” صهر بشَّار الأسد بتفجيرٍ اجتماعيٍّ أمنيٍّ في دمشق.
إلى أن جاء شهر أيلول الذَي يعتبرُ شهراً دموياً في أعين السوريين حيث استشهد خلال أسبوع واحدٍ ما يقارب خمسة آلاف مدني توَّزعوا في كافَّة أنحاء سوريَّا.
ومع توالي الأشهر توالت الانشقاقات عن جيش النظام، وعمَّت الثورة شتَّى أنحاء سوريا وازداد عددُ الشهداء والمعتقلين، واشتدَّ بطشُ النظام ضدَّ المدنيين والمتظاهرين.
مع استمرار المظاهرات وبداية تحرير المدن والقرى من قبل الجيش الحر ارتكبت قوات الأسد مجازر وحشيَّة راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى وارتفع عدد المعتقلين لعشرات الآلاف، تلتها عملياتٌ عسكريَّةٌ من قبل قوات النظام عبر محاصرة المدن والأحياء المحررة وقصفها بشتَّى أنواع الأسلحة لينتهي عام 2012 ب41.836 شهيداً.
وكلُّ شهيدٍ خطَّ بدمه القاني ميلاداً جديداً لشعبٍ حرٍّ لم يعد يرضى بالذَّل والهوان، ولتكون دموع الأمَّهات سلسبيلاً يروي ظمأ السنين العجاف التي كانت مليئةً بالظلم والاستبداد.
محمد مسلم العبيدو (كفرنبل_إدلب)