عندما يغيب العقل وتتحجَّر القلوب.. تولد الدمى القطنية
حممٌ منصهرة وصواريخ، كتلٌ سكنيَّة قد تلاشت عن الوجود، بقايا أشلاء غيَّبها الركام، صرخات متقطِّعة هنا وهناك سرعان ما تختفي تدريجياً، السَّامعون كُثر لكنَّ المستجيبون نُدر.
أصواتُ المدافع لا تتوقف والرَّاجمات تقذف بحممها دون كلل أو ملل، والأطفال الصِّغار قد فُضَّت آذانهم وفقدوا حاسَّة السَّمع، وقامت عليهم قيامة مصغَّرة في غير وقتها، فالكلُّ يبغي النَّجاة والكلُّ يفرُّ من نفسه المرهقة، والقاتل المعتوه يتلذَّذ بما يسمع ويرى.
العجيب ليس بما قيل بل بمن سمع ورأى من بعض جيران الغوطة الشَّرقية، فلم يكتفوا بالصَّمت بل بدأوا بالنَّعيق وعلا صوت نعيقهم فهم غربان لنظام الأسد قد تشبَّعوا “بالسُّعار الطَّائفي”، فتنعق إحداهنَّ بأنَّ الأصوات التي تأتي من دوما “أجمل من أصوات The Voice مجتمعة” وتردُّ أخرى بأنَّ أخلاقها تمنعها من التعاطف مع هؤلاء الناس وقد صدقت وهي الكاذبة، فهم أصحاب اللا أخلاق فقد غيَّبوا مفهوم الوطن وحصروه في بقعة جغرافية تخصُّهم، وجعلوا من السُّلطة هي الجامعة لأبناء الوطن واختزلوها ضمن فكر بعثي واحد، فالوطن والوطنية قد جُعلت لغربان الأسد أمَّا من عارض هذه الفكرة فهو الغريب في أرضه وداره، ويحقُّ للوطني الحقيق (مؤيدي الأسد) أن يقتله ويطرده منها وقتما يشاء.
عندما يغيب العقل وتتحجَّر القلوب يصبح المرء أشبه بجسد صوفي قد مُلأ جوفه قطناً، يتمُّ التَّحكم به عبر وسائل إعلام كنَّا قد ضحكنا عليها سابقاً لهشاشة روايتها وضعف حجتها، وردَّدنا أنَّ المعتوه يكشف خدعهم وتبان له حقيقتهم، أمَّا الآن بعد كثرة الدُّمى القطنيَّة قد وجد هذا الإعلام ضالَّته وزرع فيه بذرة الغباء ولعب في عقول مريديه واقتنعوا به وباتت متابعة هذه القنوات إدمان للعقول وسماع أخبارها لتشبيع الرَّغبات، رغبات تحكَّمت بالعقل والعواطف وباتت اليوم سبباً في جهل صاحبها وتقبُّله ما يتم تلقينه.
إنَّ التُّربة الخصبة في عقول هؤلاء الناس قد سهَّلت من زراعة الأفكار الشاذَّة وجيَّشت العواطف والتي أضفت على الحواس “السُّعار الطائفي” فأصبحوا بها ستة بعد أن أمسوا بخمسة.
حقدٌ ليس له مثيل وأفكار مجنونة قد طُعنت بها العقول وليس القلوب، في الوقت الذي ينادي بها أبناء الغوطة الشرقية بأنَّ الشعب السوري واحد، يصرخ أحد الموالين ويجهر على صفحات التَّواصل بأنَّه لم يكن يوماً الشعب السوري واحداً، فكشف عمَّا في نفسه علناً وجسَّد بكلامه مفهوم نظامه الذي دأب على زرع الخلاف الطائفي بين ابناء الشَّعب الواحد، وجعل السُّوريين على تراتبيَّة يتفوَّق ويمتاز صاحب الطَّائفة الواحدة ويهمَّش أبناء الطَّوائف الأخرى.
المجازر مستمرة ونباح بعض الكلاب من داخل أحياء العاصمة قد علا صوتهم، والأحداث الأخيرة تشهد مداً وجزراً وسط تسارع الأحداث.
أعداد الضحايا بارتفاع مستمر والصَّمت الدُّولي قد غطَّى على المجازر، أما أبناء الدَّاخل فقد أشغلتهم الفتن الداخليَّة والمنافسة على المعابر، ليبقى مصير الغوطة ومن فيها ضبابي يسير إلى المجهول.
محمد السطيف (كفرنبل، ادلب)