الإغريق وحصان طروادة قديماً.. ونظام الأسد وأذرعه الأمنية اليوم
في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه محافظة ادلب اليوم من قتلٍ وتفجيرٍ واغتيالات تطال رموزاً ثورية وقيادية في محافظة ادلب والشمال المحرر ككل، وذلك بعد عجز نظام الأسد وميليشياته عن الدخول إليها، بالرغم من فرضه حصار خانق على شعبها استمر لأكثر من سبع سنين، يعود بنا التاريخ آلاف السنين إلى الخلف لنستحضره في واقعةٍ مشابهة حدثت قبل ألاف السنين في اليونان، عندما نشبت حربٌ ضروس بين الإغريق وسكان طروادة استمرت أكثر من عشرة سنوات، وبالرغم من حصار الاغريق لمدينة طروادة كل تلك الفترة إلا أنهم عجزوا عن دخولها، بسبب تكاتف أهلها مع بعضهم في وجه عدوهم وحصانة مدينتهم واستبسال الطرواديين في الدفاع عنها.
وبقي الحال على هذا المنوال مدة تسعة سنين، إلى أن جاء الإغريقيون بفكرة بناء حصان خشبي كبير وقاموا بتجويفه من الداخل وملؤوه بالمقاتلين الأشداء من الإغريق وبعثوه إلى مدينة طروادة على أنه هدية مقدمة من إلههم فأدخلوه إلى وسط المدينة، ليخرج المحاربون الإغريق منه ليلاً ويفتحوا أبواب المدينة لبقية المحاربين، مستغلين بذلك طمع الطرواديين وانشغالهم بالمكاسب الشخصية، ليتمّ من خلال هذا الحصان وضع حدِ لحربٍ دامت أكثر من 10 أعوام.
يكاد يعيد التاريخ نفسه اليوم ليستنسخ طروادة الأمس بإدلب اليوم بتفاصيل دقيقة ملازمة للحادثة.
ادلب تلك المحافظة المنسية التي عتمَ نظام الأسد عليها لعقودٍ مضت، لم تكن لتتأخر لحظة واحدة عن مواكبة الثورة السورية، التي انطلقت شرارتها من محافظة درعا لتضيء أركان ادلب بأسرها، حيث شكلت ادلب السد المنيع في وجه أطماعه حيال القضاء على الثورة فكانت العقوبة قاسية إذ لحق بالمحافظة قبل غيرها الكثير من الدمار، وكان نصيبها من المجازر كبيراً، ورصيدها من الشهداء والمعتقلين وافراً.
وبالرغم من كل تلك الجراح والأوجاع التي تلقتها ادلب إلا انها بقيت صخرة الصمود في وجه الأسد وأعوانه، بالرغم من المجازر اليومية التي يرتكبها طيرانه في أنحائها وحملاته الشرسة المتكررة بغية السيطرة عليها وإخماد الثورة فيها وبالتالي القضاء على الثورة، إلا ان هذا الهدف لم يتحقق بسبب تكاتف المقاتلين مع بعضهم ووقوفهم في وجه آلة الأسد.
اليوم وبعد عجز نظام الأسد لسنين من دخول محافظة ادلب وبعد ان عجزت جميع محاولاته في ارضاخ أبنائها منتهجاً بذلك أبشع أدوات الإجرام التي تنوعت بين قصفٍ مدفعي وصاروخي وحربي تخلله قصف بالغازات السامة، لجأ نظام الأسد إلى تفكيك هذه الشفرة عن طريق زرع عملاء له داخل المحافظة والسعي إلى إثارة الفوضى والفصائلية والعنصرية لدى عناصر الفصائل عن طريق نشر عقائد فصائلية تخص كل فصيلٍ على حدى، أضف إلى ذلك حملة الاغتيالات الأخيرة التي طالت المحافظة والتي وُجهت اتهامات لداعش بتنفيذها، والتي أراد من خلالها إثارة الفتنة بين الفصائل، حيث شهدت المحافظة تفجير عبوات ناسفة وسياراتٍ مفخخة واغتيالات بالرصاص الحي، طالت مدنيين وقياديين عسكريين ومقاتلين في الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية وإعلاميين، الأمر الذي أسفر عن استشهاد وجرح العشرات منهم، كل هذه الأمور وغيرها أدت إلى إثارة عقيدة الفصائلية لدى العناصر وانطواء العناصر على فصائلهم، متناسين وقوفهم لسبع سنوات في خندق واحد ضد نظام الأسد وميليشياته، محققين بذلك الهدف الجوهري لنظام الأسد والذي عمل على تحقيقه مدة سبع سنوات مضت، وهو إثارة الفرقة والنزعة الفصائلية لدى العناصر، ليكون كل فصيل لقمة سائغة لدى النظام يلتهمها واحدةً تلو الأخرة، ممهداً الطريق أمامه لدخول ادلب.
فهل تصحو الفصائل أمام تلك المخططات التي رسمها نظام الأسد لهم، ويدفنوا خلافاتهم ونزعاتهم وشكوكهم جانباً، ويتخلوا عن المناصب التي لم تجلب لهم إلا الفرقة والشقاق، ويعودون يداً واحدة كانت قد أنهكت نظام الأسد لسنواتٍ مضت، ويعيدوا لسوريا سيرتها الأولى، هي الأيام القادمة وحدها من تحمل جواباً لشعبٍ وضع جلَ آماله الطامحة بالحرية والكرامة في تلك الفصائل.
حسن كنهر الحسين (كفرنبل، ادلب)