الحقد الأسود.. وشواهد القبور
هي ليست شواهد قبور فحسب، عندما يتعرض شاهد القبر لإرهاب ليس بمختلف عن الذي يمارسه الإرهابي على الأحياء، عندما تنبش القبور وتهدم الشواهد وتحرق العظام بعد نبشها.
هي ليست شواهد قبور إنما تاريخ خطه أصحابها بدمائهم، وثقوا فيه أحداث ثورة وصور معاناة شعبهم والجرائم التي تعوض لها على مدار تسع سنوات عندئذ لا تكون إلا تاريخاً لا يحرف ولا يعدل عليه.
ولأن مغول العصر وتتار القرن الواحد والعشرين يدركون ذلك جيداً، لم يمروا فوق شواهد القبور ونواصيها مرور الكرام، شاهد واحد باسم شهيد يواجه عشرات الحجارة والأحذية الساخطة محبة العبودية، لم يكفي لأجل ذلك كسرها بالحجر، لم يكفي حذاء عسكري واحد، بل كلما تأرجحت الشاهدة ازدادت الهمجية غلياناً وتكاثر عليها اثنان، ثلاثة لا بل أربعة بوجه رخامة قبر واسم شهيد.
همجية جديدة في بداية لعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، خجل أكثر المجرمين سخطاً وأشدهم سطوة وكرهاً للإنسانية من ارتكابها على مر العصور، وحشية أورثها نظام حكم مستبد يغتسل بدماء الأبرياء لجنده وحاشيته، ليمارسوا إرهابهم على أموات الشعب ونواصي قبورهم قبل الأحياء منهم.
جريمة نبش القبور ليست حالة دخيلة على “سوريا الأسد”، كما يراها البعض، ولن توسّع الشرخ بين السوريين. كما يعتقد البعض الآخر، لأن الشرخ موجود منذ وجود الأسد في السلطة، انتقم حافظ الأسد قديماً من أموات أهل حماة وقبورهم في ثمانينات القرن الماضي.
ونبش ابنه قبور الثوار الأوائل في داريا ومضايا ودرعا وحمص وغيرها من المناطق السورية، انتقاما من تاريخ الثورة وممارسة لإرهاب ورثه عن أبيه كما ورث طغيانه وحكمه.
أما في إدلب، فقد دمرت طائرات الأسد مقابر المدنيين قبل منازلهم واستهدفت أمواتهم قبل الأحياء منهم، لاحتلال مناطق خالية من أمواتها قبل أحيائها كمدينتي معرة النعمان وخان شيخون بريف إدلب.
فعل وجرم وانتهاك لا يتجرأ على ارتكابه، إلا من تجرأ على الأحياء بهذا الإجرام المتواصل منذ خمسة عقود بأشكال مختلفة، ليس غريباً عليه انتهاك حرمة الموتى، على الرغم من بشاعة المشهد.
إعداد: محمد السطيف