التهجير القسري.. معاناة كبيرة وشبح يلاحق المناطق الثائرة
على أحد أزقة الطرقات وفي مكان ضيق لا يتسع إلا لبضع أشخاص بسب حطام المنازل وأشلاء لهيب الصواريخ وبقايا منازل لا يوجد منها الا الذكريات، تجمع مئات ممن يتجهزون للرحيل ، من بينهم طفل لا يعرف ما الذي يحصل، أحمد يمسك بيده أباه المسن الذي ابتلت لحيته بدموعه على فراق ارضه الحبيبة أرض الغوطة الشرقية، سأل الولد أباه: أبي لماذا لاندفع أجور الحافلات وهي تقلنا الى أبعد مكان في سورية؟ فهز الأب رأسه وصدع صوته الذي يكاد يخرج من حنجرته بسبب الآلام والحرقة وقال لولده ودموعه على خديه يا بني لقد دفعنا هذه المرة اجرة ركوب الحافلة أغلا ما نملك.
هكذا يواجه أهالي المناطق الثائرة في وجه حكم الأسد مصيرهم إما القتل أو التهجير، حلول فرضها الجلاد على أصحاب الأرض بسبب حقده الطائفي وضعف المجتمع الدولي.
ففي ظل هذه الحرب الطاحنة الرعناء التي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، أذاق جلاد سوريا شعبه كل أنواع العذاب من قصف ودمار وتشريد، مع انطلاق شعب سورية الأبي في صرخات الحرية بدأ نظام الحقد الأسدي باستخدام آلة القتل والدمار حتى قتل أكثر من نصف مليون مدني واعتقل ضعفين هذا العدد ولم يستطع ان يكسر عزمه شعب أراد الحرية.
وما لبث حتى بدأ يجلب الى أرضه الغرباء من العراق وأفغانستان وإيران ولبنان، باسم “الدفاع عن المقاومة والممانعة والحفاظ عن وحدة الأراضي السورية” التي أصبحت مداساً لكل حاقد على الشعب السوري، بالإضافة الى الاستعانة بآلة القتل المتواجدة في ثاني أقوى دول العالم تحت مسمى محاربة الإرهاب هي روسيا. وبدأت بصب جام حممها على الشعب منطقة تلو الأخرى.
بدأ الحقد الروسي يعمل على إفراغ المناطق من أهلها برعاية أممية ومباركة دولية فيحاصر المنطقة ويجوع أهلها ثم يبدأ بقصفها حتى يقتل البشر والحجر ثم يبدأ بإعطاء مهلة لترحيل أهلها او الاستمرار بالقصف والقتل والدمار وهكذا بدأ مسلسل التهجير في سورية المعروف باسم “التغير الديمغرافي”
مسلسل التهجير بدأ في حي بابا عمرو في مدينة حمص الأول من آذار لعام 2012 بعد ستة وعشرين يوماً من التصعيد العنيف على الحي وتلاها حي كرم الزيتون الثاني عشر من آذار لنفس العام ومن ثم حي البياضة والخالدية مدينة والقصير الحدودية والتي كان يبلغ عدد سكانها 65 ألف نسمة هاجروا لمخيمات النزوح والتشريد في الداخل والخارج، وتلاحقت المناطق لنجاح خطة الأسد وحلفائه بتفريغ المناطق من أهلها وتسليمها لموالين لهم وبعد فترة ليست ببعيدة انتقل مسلسل التهجير الى العاصمة دمشق وبدأ النظام وحلفاؤه بتهجير سكان مدينة الزبداني ومضايا والتي كان لها نصيب من حقد حزب الله اللبناني ومليشيات طائفية أخرى، حتى استسلم أهلها وخرجوا منها. وتبعها بقين ووادي بردى والقلمون في شباط من عام 2014 ثم انتقل مسلسل التهجير الى احياء حلب في الشمال السوري بعد معارك عنيفة لفك الحصار عنها لكن الاتفاقيات الدولية التي كانت تصب في صالح النظام الحاقد على شعبه، أفشِلت كل محاولات فك الحصار على المدينة وبورك نظام الديكتاتور الروسي بتهجير المدينة لكسب “انتصار” في سورية فكانت كل الاتفاقيات تعمل على تهجيرها وانتصارٍ للظالم على المظلوم وهكذا ركب أهالي حلب الحافلات وخرجوا بمن تبقى منهم الى جارتها ادلب التي أصبحت ملاذَ من لا ملاذ له، هجرت حلب وباتت تحت سيطرة المليشيات في أواخر عام 2016
ولم يتوقف المسلسل حتى تبعه ريف ادلب الشرقي الذي مارس عليه العدوان الروسي أشد أنواع الحقد بسبب مطامعه الاقتصادية والتجارية ففيها سكة الحجاز وتقارير تثبت أن أكبر مخزون للغاز يكون شرقي السكة.
انتقل حقد الروس والمليشيات الى آخر معاقل الثورة في ريف دمشق وهنا تكمن معانٍ لقصة غوطة دمشق التي حاصرها نظام الجلاد الأسدي لمدة ست سنوات جاع أهلها وماتوا بصمت دولي فلا غذاء ولا دواء ولا حتى حق للحياة فكل أنواع الحقد مورست عليها، بدأت حملة الحقد بأسراب الطيران ولهيب الصواريخ ، آلاف الغارات الجوية والبراميل المتفجرة وعشرات الآلاف من القذائف المدفعية والصاروخية بالإضافة الى مختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً من فوسفور ونابالم وقنابل عنقودية جلها على بقعة صغيرة في أقل من شهر فبدأت الاجتماعات والحلول التعسفية بحق سكان الغوطة الأصليين وبدأ تهجيرهم الى وطنهم الجديد ادلب بداية بحرستا ومن ثم عربين وزملكا والقطاع الأوسط وانتهاء بدوما كلهم الى المجهول وسط صمت دولي رهيب وحقد طائفي كبير.
هنا وفي أزقة مدينة مدينة بغوطة دمشق استقل أحمد مع والده الكبير الحافلة برفقة قافلة تقل أكثر من ثلاثة آلاف مهجر وهي أحد الدفعات التي خرجت من غوطة الشام الى المجهول في الشمال السوري المحرر تختلط فيها دموع الوالد مع ابتسامات أحمد.
كل هذا ولم ينته المهجرون من القتل في المهجر فكل يوم يفقدون بعضاً من أحبتهم إما في قصف الأسد او اقتتال الطامعين.
محمد العباس (ادلب –كفرنبل)