في زاوية مظلمة
في يومٍ من أيامِ الصيفِ الحارة، وبعدَ يوم عمل كاد أن يقتلني تعبه، دخلتُ إلى منزلي القديم المتهالك، ملأ التفكير بالراحةِ والنوم عقلي وباتت عينايَ لا تنفك تصارعني في سبيلِ أن تغلق نفسها وتخلد في نومٍ عميق، أشعرُ أنِّي أحمل على كلِّ جفنٍ من جفوني كومة من الأجحار من شدَّةِ تعبي.
دخلتُ غرفتي الصغيرة المظلمة وكل ما أريده أن أعثرِ على سريري صاحب الصوتِ المزعج، لأجد نفسي وبدونِ شعورٍ مستلقياً عليهِ مودعاً بيتي وغرفتي المتهاوية وكأني سأنام للمرة الأخيرة، وكأني سأنامُ نومةً لا فيقةَ بعدها! .
فجأة وفي زاويةٍ عمياء مظلمة في باطن عقلي ومخيلتي، أرى رجلاً مبتورَ الساقِ تسندهُ عكازاتهِ التي شارفت على الانكسار والخنوعِ لقوةِ الوقتِ والزمن، رجلٌ مقطوعةٌ رجله كنت قد رأيته على أحد المفارقِ يبيعُ الجواربَ كي يملأ معدة أطفاله الجائعة.
عندما رأيته بعيني لم أستطع التحكُّمَ بنفسي، ذهبت لأشتري منه بعضاً من تلك الجوارب، علِّ إذا اشتريتُ أكسبُ منهُ دعوةً يفتحُ اللهٌ بها دربي، بمجردِ توجهي إليه بدأ الرجلُ يدعو الله أن يطول في عمري ونسبي، شكرته وكنت خجلاً منه أني لا أستطيع مساعدته، فأنا مثله لا أملك المال الكثير، وبغيرِ شعورٍ سألتهُ عمَّا حلَّ بساقهِ، فبدأ يقصُ عليَّ قصته وقال لي أنه في أحدِ الأيام سقطت قذيفةٌ على بيتٍ من بيوتِ جيرانه، فذهبَ مسرعاً علَّه يستطيعُ أنَّ يساعدَ أحداً، وعندما رأى جارهُ مستلقياً على الأرض والدماءُ تغطي أجزاءً كبيرةً من جسده، حمله وبدأ يركض مسرعاً ليسعفه، ولم يدرك إلا أنه فقدَ الوعي وسقط هو الآخر على الأرض، ليستيقظَ هو الآخر ويجدَ نفسهُ على سريرٍ أبيضٍ، واحدى قدميهِ مقطوعة ليكتشف أنَّ جاره قد مات.
قطعت ساقهُ ومات جاره بقذيفةٍ أخرى سقطت فوقَ رؤوسهم عندما كان يحاولُ إسعافَ جاره.
هو الآنَ يعملُ كبائعٍ للجواربِ على مفارقِ الطرقِ ومداخلها، يعملُ كي لا يصبحَ من المتشردين، اختار الطريقَ الصعبَ حفاظاً على كرامتهِ وعزهِ، وأصر أن يعيش حياةً كريمةً بعيداً عن الذُّلِ والتذللِ قريباً من القناعةِ والرضى بقضاءِ الله أرادَ أن يسيرَ على دربهِ.
(وفاء المحمد) كفرنبل – إدلب