اللاجئون السوريون عين على الوطن وخوف من المجهول
في ظل ظروف الحرب الصعبة وقساوة الحياة، بعد إنزال قوات الأسد أشد أنواع العقاب بالشعب السوري، حين رفع صوته وطالب بحريته وحقه في العيش بحرية وكرامة، بدأت حركة النزوح والفرار من الحرب التي أخذت تحصد أرواح المدنيين دون أن تفرق بين كبير وصغير، ولا حتى شجرٍ أو حجر.
هرب السوريون من بطش آلة الحرب حتى وصل عدد اللاجئين السوريين في الخارج ما يقارب خمسة ملايين لاجئٍ، توزعوا على دول العالم، حيث كان النصيب الأكبر لتركيا ومن بعدها لبنان ثم الأردن، ودول الاتحاد الأوروبي وشمالي افريقيا.
أما الجزء الآخر من السوريين والذين قرروا البقاء في الأرض والوقوف في وجه الطاغية، فقد استعان بأكثر آلات القتل دموية في العالم لقتلهم، والتي تمثلت في العدوان الروسي والميليشيات الإيرانية الطائفية الحاقدة، ما أجبرهم على ترك أرضهم التي باعوا أنفسهم رخيصة في سبيلها، حفاظًا على من تبقى من أرواح عوائلهم بعد حملة القتل الممنهج التي اتُبِعَت بحقهم.
وبعد إجبار قوات الأسد وحلفائها سكان عدد كبير من المدن السورية على الهجرة إلى محافظة إدلب والشمال السوري، وصل عدد المهجرين داخل الأراضي السورية الى 8,5 مليون نازح، يتوزعون بين محافظة ادلب والتي تحتل المرتبة الأولى، وريف حماة الشمالي وريف حلب وما تبقى من مناطق محررة، حيث بلغت نسبة الأطفال 45% من النازحين، أي ما يقارب 3,6 مليون طفل نازح.
هكذا أصبح أكثر من ثلثي الشعب السوري في الداخل والخارج، يعيشون ظروفًا قاسيةً جدًا من معاملة سيئة وقساوة الحياة وتضييق الخناق من قبل المنظمات ومنع اللاجئين من العمل والحركة من قبل بعض الدول العربية التي تسمى “شقيقة”، والتهديد بالترحيل الى مناطق الخاضعة لسيطرة قوات الاسد، من قبل بعض حكومات الدول المجاورة وتقديم الأطفال والنساء لذئب مفترس لا يخاف الله فيهم ولا يرحمهم.
فإما أن تتعلم ثقافة غيرك وتتطبعُ في حياته أو تعيش في الجهل، هكذا حالهم في دول اللجوء، أصبحوا رقمًا سهلًا وورقة ضغطٍ لكسب مطامع من منظمات دولية وهيئات تدّعي الإنسانية.
وبعد سبعةِ أعوامٍ من نزوحهم وتشردهم في الداخل والخارج وأخذِ كل طامع مطمعهُ من بلادهم وتقسم الكعكة السورية وتدمير البنى التحتية وتشريدٍ للشعب الثائر، لم يتبقى للمجتمع الدولي إلا أن يبتكر أنصاف حلولٍ خجولة في ظل عجزٍ كبير أمام المطامع الدولية والحقد الطائفي، فبدأت المطامع تتجه نحو المناطق الآمنة ومناطق خفض التصعيد والتي كانت بقعة ضوء وفسحة أمل للعودة الى الوطن.
ومع تلك الفسحة الضيقة يعيش الشعب السوري الذي بات منتشراً في معظم أرجاء العالم بين المدن والبلدات ومخيمات بالية لاتقيهم من حر الصيف لا من برودة الشتاء و الظروف المأساوية التي يعيشونها، حالمين بالعودة الى بقايا منازل مدمرة.
في تلك الخيام التي اهترأت أطرافها واختفت شعارات مانحيها، يحلم المهجرين بالعودة الى أرضِ الوطن، لكن الخوف من المجهول ومصير من هم في الداخل يجعلهم ينظرون الى هذا الأمرعلى أنه مرحلة تهجير أخرى لهم، مع تذبذب الحلول السياسية، وضعف المجتمع الدولي في فرض حلول تضمن عودتهم وتحميهم من غدر وبطش نظام الأسد وميلشياته وآلة القتل الوحشية الروسية.
بين نازح ومهجَرٍ في العراء بلا مأوى ولا مأكل، عينٌ على الوطن وأخرى الى المصيرِ المجهول، يعيش الشعب السوري الثائر.
محمد العباس (كفرنبل_إدلب)