يفرون من القصف ليموتوا من الجوع والبرد
كان الله في عونهم أولئك الهاربون من نار القصف والقتل بحثا عن مكان آمن يمكثون فيه، ولكنهم للأسف يعيشون مآسي تشبه إلى حد كبير معاناتهم تحت وطأة القصف فشبح الموت يلاحقهم إلى دول اللجوء بسبب ما يلاقونه من البرد والحر والجوع إضافة إلى نقص في الغذاء والرعاية الصحية وانتشار العصابات والمجرمين.
إحدى أوجه هذه المعاناة نجدها في مخيمات عرسال اللبنانية، حيث تعاني مخيمات اللاجئين السوريين في دول جوار بلادهم من أوضاع إنسانية صعبة، في ظل شتاء قارس ونقص شديد في وسائل التدفئة والوقاية من البرد والثلوج والأمطار التي تهدد حياة الآلاف من المهجرين قسراً نتيجة الحرب التي تشهدها سوريا منذ 8 سنوات.
ونتيجة لتلك الأوضاع الصعبة كانت قد أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نداء استغاثة، طالبت بسرعة التدخل الأممي لإنقاذ اللاجئين في ظل توقع اشتداد وطأة الشتاء وعدم وجود أي وسائل تساعدهم على التأقلم مع البرد الشديد، محذرة من تفاقم معاناة اللاجئين وخاصة الأطفال منهم الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة لا سيما الأطفال حديثي الولادة.
كما ودعا المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان مؤسسات المجتمع الدولي والمؤسسات الإغاثية الإقليمية والدول الغنية، إلى التحرك العاجل لإغاثة اللاجئين والنازحين السوريين في المخيمات المؤقتة في كل من الشمال السوري ومخيمات اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان، والعمل على تعزيز الإجراءات المتخذة لتفادي مخاطر موجات البرد القارس المتوقع أن يلمّ باللاجئين من سوريا، وحذّر من التداعيات الكارثية لذلك خصوصاً على الأطفال.
ولكن كان برد الشتاء القارس في كل سنة يفتك بأجساد اللاجئين دون رحمة في ظل تباطؤ وصول المساعدات المرسلة للاجئين أحياناً ومنع دخولها إليهم أحياناً أخرى، فكانوا يدفعون الثمن لذلك حياتهم وحياة أطفالهم.
ومع كل ما يعانيه اللاجئون السوريون من أوضاع مأساوية مع اقتراب فصل العواصف والثلوج وحاجتهم إلى كافة انواع المساعدات، أيضاً هم كانوا مهددين بالطرد من المخيمات وخاصة في مخيمات عرسال اللبنانية ومخيمات الزعتري في الأردن، وقد طالب النشطاء المنظمات الإنسانية والدولية كافة بالتحرك من أجل مساعدة النازحين السوريين في هذه المخيمات، لافتين إلى أن “بلدة عرسال اللبنانية تحتوي على أكثر من 120 مخيماً للاجئين السوريين”، وأن كل خيمة تأوي عشرة أشخاص على الأقل حيث قدر عدد اللاجئين في المخيم ب 80 ألف لاجئ ومع ذلك فإن أكثر من مئة عائلة منهم مهددة بالطرد، أما عدد اللاجئين في مخيم الزعتري بالأردن قدر ب 81 ألف لاجئ بحسب إحصائيات أممية.
وتستمر المعاناة في مخيمات ريف إدلب حيث لا يختلف الحال فيها كثيرا عن باقي المخيمات مع انعدام وسائل التدفئة.
وما كان من اللاجئين سوى الصبر والتحمل وذلك خوفاً من العودة إلى ديارهم التي أجبروا على الخروج منها هربا من نيران الصواريخ المحرقة.
وكانت جميع وسائل الإعلام تنشر معاناة اللاجئين السوريين وتناشد المنظمات الدولية والدول الغنية لتقديم كافة أنواع المساعدات الممكنة للاجئين ليتمكنوا من مواجهة برد الشتاء القارس وحر الصيف الشديد وهم يقطنون خياماً مصنوعة من القماش، كما سلطوا الضوء على أحلام الأطفال وآمالهم في العودة إلى وطنهم والعيش في سلام دائم.
وليس الوضع أحسن حالاً في مخيم الركبان ومخيم الزعتري للاجئين السوريين، حيث يعيش اللاجئون وضعاً كارثياً، وظروفا معيشية وصفت بأنها “مريعة” بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام مشيرة إلى “عدم توفير الغذاء الصحي والأدوية والرعاية الصحية في المخيم، إلى جانب تراكم النفايات وانعدام قنوات الصرف الصحي وانتشار الجريمة والعنف”.
وعلى الرغم مما تقدمه المنظمات من مساعدات للاجئين هناك إلا أنها غير كافية لتأمين الحياة الملائمة لهم.
وفي المخيمات التركية أطلق نازحون سوريون نداءات إنسانية بعد أن اقتلعت السيول والعواصف خيامهم مخلفة أضراراً جسيمة، وغمرت مياه الأمطار خيامهم وأغرقت اطفالهم.
ولذلك قررت مجموعة من المؤسسات السورية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني أن تنظم حملة إغاثة، لإغاثة سكان المخيمات وتسليط الضوء على الأوضاع المأساوية التي يتعرض لها النازحون السوريون.
ربما لم يكن يعتقد أكثر المتشائمين أن تستمر معاناة الشعب السوري طيلة هذا الوقت (8 سنوات) فإضافة إلى معاناة اللاجئين من الفقر والجوع فهم أيضاً يعانون من مستوى تعليمي متدنٍ وذلك لعدم كفاية المستوى التعليمي، وتسجيل أقل من نصف أطفال اللاجئين السوريين في سن الدراسة بالمدارس العامة، وكذلك رأس المال البشري يتدهور أيضاً بالنسبة للاجئين الشباب، ولأن هؤلاء اللاجئين صغار السن، فإن تلبية احتياجاتهم الفريدة من حيث التعليم والتدريب والرعاية الصحية سيكون لها فوائد تنموية على المدى البعيد.
كما ويعاني اللاجئون من أحوال اجتماعية وصحية متدهورة حيث تأتي الإعاقة الجسدية والأمراض المزمنة في قائمة أسباب تدني دخل الأسر اللاجئة السورية؛ إذ إن عدداً كبيراً من الذكور في هذه الأسر قرروا السفر عبر البحر إلى دولة ثالثة، مما زاد من المعاناة المعيشية لعدد كبير من العائلات اللاجئة في المخيمات”.
كما أن عدداً كبيراً من اللاجئين فضلوا العودة إلى ديارهم، لكن غيرهم ممن دمرت بيوتهم لم يجدوا مفراً من البقاء.
يتألم السوريون لحالهم كثيراً وما وصلوا إليه من مآسي، حيث لم يتوقعوا أن تمتد الحرب لفترة طويلة، وأن تتسبب في الكثير من المعاناة، وأن تكلف الكثير من حياة البشر، إذ بلغ عدد القتلى الآن نحو 100 ألف شخص ولا يزال العدد في تزايد.
ومثلما يعاني اللاجئون السوريين من برد الشتاء القارس، هم أيضاً يعانون من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في فصل الصيف، حيث لا تقيهم خيامهم حرارته التي تتسبب في كثير من الأحيان بوفاة الأطفال الذين يتأثرون بالحرارة نظراً لضعف بنيتهم وعدم مقدرتهم على تحمل الحرارة الزائدة.
ومع كل هذا فإن جميع السوريين اللاجئين والماكثين في ديارهم رغم القصف والدمار يناضلون للعيش بكرامة وحرية، وهم يتحملون جميع المآسي في الداخل والخارج، في سبيل نيل حريتهم وخلاصهم من نظام الأسد المجرم الذي دمر بلادهم وشردهم، ويعيشون وكلهم أمل بمستقبل أفضل وغدٍ مشرق لهم ولأطفالهم الصغار.
“وفاء المحمد”