الخميس الأحمر
محمد عمار الموسى ( كفرنبل إدلب)
ما اليوم!، إنه الخميس، نعم إنه اليوم الذي تمتلئ به أسواق مدينتي بالبائعين الجوالين بالغجر والقرويين والمتكبرين والصادقين، بالمؤمنين والمنافقين والمؤيدين والمعارضين، بكل أطياف المجتمع، فربما إن دخلتها وكنت جديداً ظننتَ أنه يوم وقفة عيد! (هو اليوم الذي يسبق عيد الفطر أو الأضحى بيوم واحد تمتلئ في الأسواق وبالنساء والأطفال على وجه الخصوص).
عندما تدخل هذا السوق “البازار” من مدخله الشمالي، تكاد تجن من أصوات البائعين كلٌ ينادي على هواه ويريد أن يكسر سعره ليبيع بضاعته، ازدحام شديد حتى لا تكاد تجد موضع قدم تمشي عليه.
كانت جدتي “شروق” كلما تأخذني معها لتشتري لي ثياباً من بالات ذلك البازار تمسك بيدي حتى تكاد أن تكسرها، كان فرضاً علينا كل خميس أن نذهب معها إلى ذلك الجحيم، في العاشرة نخاف بشدة من الذهاب، كنا نخاف من يوم الخميس بشكل هستيري.
ولكن بطريقة ما زرع هذا الكابوس حباً في قلوبنا لبازار الخميس.
رغم كل المتناقضات في ذلك اليوم، بات يعتبر يوماً مجيداً لأهل المدينة وكأنه عيدٌ أسبوعي مقدس.
لكن إرادة الله ومشيئته أرادت أن يتحول العيد المقدس إلى يوم حزن أسبوعي، إلى يوم سماه البعض بيوم المجازر، وخشي القسم الآخر أن يخرج من بيته في ذلك اليوم المشؤوم.
كعادة معظم أنظمة العالم، قرر النظام السوري الفاشي أن يذكر شعبه بأنه لا فرح لهم لا ابتسام لا قوة لا قول ولا رأي.
فيخزن كل قذائفه وصواريخه طيلة أيام الأسبوع، لتهطل كحبات من البارود الغزير على رؤوس البائعين والمشترين في يوم الخميس المجيد، فلا نكاد ننسى مجزرة سوق الخميس 21/8/2012 ، حتى يذكرنا بقصفه الهمجي على المدينة أيضاً بيوم خميس آخر 9/3/2017، وأراد أن يختمها بثلاثية الاجرام والغل المكدّس علينا، فأكمل المئة شهيد اليوم الخميس 4/4/2019.
تواريخ هي للبعض ومجرد أرقام وسجلات تنسى مع الزمن، لكنها جراح بات من المستحيل شفاءها لنا، فلا يكاد الجرح يندمل حتى تأتي طائرةٌ أو قذيفة تشقّ طريقها بيننا وتفتح جراحنا من جديد.
تساؤلات تملأ صدرونا وتثقلها، ما الذي يغضب النظام وعصاباته من يوم الخميس إلى هذه الدرجة! لماذا يغضب من يوم الخميس بهذا الشكل!؟، أيعقل أن بائعاً في هذا السوق يضارب على ابن خالة رجل المدفعية في حماة فيبيع بسعر أقل، أو الطيار كلما رأى طفلاً أراد قتله لأنه عقيم!، ربما في وقت سابق اعتاد عميد المدفعية أن يشتري ثياب زوجته الداخلية من بسطة “أبو أيهم” وعندما حرم من ذلك حقد علينا.
أفكار وأسباب ساخرة ألقاها شاب على أصدقاءه علّهم يخدرون بعض آلامهم، كنت قدر رأيتهم يدخنون بكثافة وحرقة على قارعة الطريق، يستهزئ بعضهم بعينين محمرتين، ويبكي الآخر فيقول ثالثهم ” كتب علينا أن نعيش هذه اللحظات ونشعر بألمها، كتب علينا أن نصلي على جثامين الشهداء ونسعف الجرحى، فليساعدنا الله على ما أراد أن يبتلينا به”، نطلق هذه الكلمات بعد كل مجزرة نتعرض لها، وكأننا لن نتعرض لمجزرة أخرى.
لم يكن النظام يمتلك سبباً لكره يوم الخميس، ولا لأسعاره الرخيصة بل كرهنا نحن، كره أن الذي يبيعون ويبتاعون في هذا السوق هم نفسهم الذين كانوا يتظاهرون ويسقطون حكمه، فهو يعرف عزّ المعرفة أنّ هذا الطفل الذي قتله اليوم سيكبر، سيكون سداً منيعاً في وجهه سيسقطه، هذا ما كره النظام فينا.