العلاقات الوثيقة التي تجمع سياسات نظام الأسد بالميليشيات الكردية
المكوِّن الكردي كباقي فئات الشَّعب السُّوري خرجوا نافضين عن عباءتهم غبار التّبعية لنظام الأسد ورافضين قتل السُّوريين الّذين جمعهم بهم رغيف الخبز الّذي تلطّخ بدماء الأطفال والنساء والأبرياء، ورفعوا شعارات وَحدويَّة مع سائر مكونات الشعب السوري، وهتفوا مناصرين لأشقّائهم العرب في بدايات الثورة السورية المباركة.
سرعان ما استغلَّت فئات معينة هذه الظاهرة الغير مألوفة في المجتمع الكردي، وحرّفوا مسار المظاهرات وقاموا بتحريف بوصلة الأهداف والمتطلبات الّتي لطالما كانت الحلم المرجو.
ليستغلَّ نظام الأسد هذه الفئات ويرتبط معهم بعلاقات ثنائيَّة في انتظار الوقت المناسب لاستغلال تلك العلاقات، ومع دخول الميليشيات الكريّة متمثلة بميليشيا (BYD) العمل العسكري، وسّعت من مطالبها وطالبت باستقلاليتها وإنشاء حكم ذاتيّ كرديّ مشابهةً لإقليم كردستان العراق، والّذي لاقى رغبة من عدّة أطراف دوليّة سارعت لتشكيل الكيان المتّفق عليه.
“ميليشيات سوريا الديمقراطية” (قسد) كانت ثمرة ذلك الجهد المبذول والذي شكَّلته الولايات المتَّحدة الأمريكية، وهو تحالف يضمُّ ميليشيات كرديّة وعربيّة وسريانيّة وأرمنيّة وتركمانيَّة وتشكل ميليشيا “وحدات حماية الشعب الكرديَّة” عصبها الأساسي، وكان الهدف المعلن عنه عقب التشكيل هو طرد تنظيم “داعش” والجماعات الإسلاميّة الأخرى من منطقة الجزيرة السورية والشريط الحدودي التركي السوري، كما وتهدف هذه القوَّة إلى “إنشاء سوريا ديمقراطية علمانية يتمتع في ظلها المواطنون والمواطنات السوريين في الحرية والعدالة والكرامة ومن دون اقصاء لأحد من حقوقه المشروعة”. بحسب ما جاء في بيان التشكيل.
تمكَّنت الوحدات الكردية بتواطؤ مع نظام الأسد وبدعم مشترك روسيّ أمريكي من الاستيلاء على أراضٍ سوريَّة واسعة في وقت قصير، حيث سيطرت على معظم مناطق الشريط الحدودي مع تركيا وعلى معظم مناطق الحسكة وأريافها ومنطقة تل أبيض ومنبج وعفرين وبعض قرى ريف أعزاز بعد انسحاب نظام الأسد منها، وراحت تتوسع في العديد من المناطق ذات الأغلبية العربية، وأحرقت القرى وهجَّرت الأهالي بهدف “التغيير الديمغرافي” متأثِّرة بسياسة حليفها نظام الأسد الذي أمدَّها بأطنان من المعدَّات العسكرية في قتالها ضد المعارضة السوريَّة، لتولد علاقة “مصالح مشتركة” بين شريكي القتل والتهجير.
تقاسم نظام الأسد والميليشيات الكرديّة النُّفوذ في منطقة الجزيرة ووادي الفرات وتلاقت مصالحهما منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011م بعدما تبين ارتباطهما العسكري في قتال الجيش السوري الحر في منطقة الجزيرة السورية قبل ولادة تنظيم “داعش”، وتطور الأمر بعد ذلك لخوض معارك مشتركة في حلب ومحيطها، وامتدت إلى مناطق وادي الفرات، وتوزعت البقعة الجغرافية في تلك المنطقة بين الحليفين، فـميليشيا قسد اتَّخذت من الضفَّة اليسرى للفرات مساراً لها باتِّجاه محافظة الرقَّة، وسلكت قوات الأسد المسار المحاذي للضفة اليمنى نحو الهدف ذاته.
حاول نظام الأسد أن يكون الوصيّ الشرعي على ميليشيا قسد من خلال قطه الطَّريق أمام غرفة عمليات “درع الفرات” والتي تشكَّلت بدعم تركي بهدف تحرير المناطق الحدودية بين سورية وتركيا من سيطرة تنظيم داعش والميليشيات الكردية على وتيرة واحدة، فبعد تحرير مدينة الباب سارعت قوَّات الأسد لقطع الطريق أمام فصائل درع الفرات بمساندة روسيَّة باحتلالها مدينة “تادف” وتمدُّدها شرقاً حتى منبج لتكون سوراً منيعا في إيقاف موجة درع الفرات, والتقى الشريكان(قوات الأسد والميليشيات الكردية) على أطراف مدينة منبج الغربيَّة ليتابعا الطريق إلى الرقة.
ظهرت بعد ذلك التصدعات والخلافات بين الطرفين إلى العلن تجسَّدت باشتباكات كالتي اندلعت بينهما في مدينة الحسكة أو ريف الرقة مؤخرا، لتظهر سوء النِّيَّة وغياب الثقة بين الشريكين بعيداً عن التفاهمات بينهما، إلا أنَّ الخلاف مهما كان حجمه لم يتجاوز إطار التناقضات والتفاهمات الروسيَّة الأميركيَّة في التوسُّع والتمدُّد والاختلاف، مع إعطاء الشركاء مساحة للمناورة المنضبطة كما يحدث في مدينة الرقة وريفها، وسط غياب تام للمبادئ والأعراف والقوانين الدولية التي تحمي المدنيين وتحيدهم في الصراعات العسكرية.
صحيفة “الأخبار” اللُّبنانية المؤيدة لنظام الأسد أكدت ما سبق في خبر لها نشر في الثالث من شهر آب الجاري عن تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين ميليشيات قسد وقوات النِّظام للتنسيق فيما بينها، معتبرةً ذلك منعطفاً جديداً في العلاقة بين الجانبين اللَّذين تعاونا في مرات عدَّة، لا سيما في موقفهما من قوات المعارضة السورية.
وكانت “بثينة شعبان” المستشارة السياسية والإعلامية لرأس النظام بشار الأسد سابقاً، قد أشارت في 2 شباط 2016 إلى تعاونٍ بين قوات الأخير والميليشيات الكردية، واصفاً ميليشيا “وحدات حماية الشعب الكردية” بأنها وحدات سوريَّة تشارك في الحرب على الإرهاب بالتعاون قوّات النظام وقوّات الدِّفاع الشعبي المساندة للنظام والطيران الروسي.
أخيراً وليس آخراً ما تداولته وسائل إعلاميَّة موالية لنظام الأسد اليوم الاثنين، صورةً تجمع قياديَّين في ميلشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع العميد سهيل الحسن رئيس فرع المخابرات الجوِّيَّة في المنطقة الشَّمالية التابع لقوات الأسد، أحدهما “ابراهيم البنَّاوي” قائد كتيبة “جند الحرمين” المنضوية في تحالف (قسد) والآخر يدعى “فياض الغانم” الَّذي يقود إحدى كتائب لواء “صقور الرقة” التَّابع لـلميليشيات أيضاً.
محمد السطيف (إدلب، كفرنبل)