كشف المجهول.. علوم تتضافر لتحديد هوية الموتى
أجرى فريق من الباحثين في علوم الوراثة والآثار والديمغرافيا من ثلاث جامعات في مقاطعة كيبيك بكندا (هي: مونتريال، وكيبيك في تشيكوتيمي، وكيبيك في تروا ريفيير)، دراسة قاموا فيها بدمج معلومات الأنساب بقاعدة بيانات وراثية، لتحديد الملامح الوراثية لسكان كيبيك.
وتشير النتائج -التي نشرت في “المجلة الأميركية للأنثروبولوجيا الفيزيائية” يوم 16 فبراير/شباط الحالي- إلى قدرات بحثية رائعة قد توفرها هذه الطريقة الجديدة في المستقبل القريب.
قاعدة بيانات رائعة
استُوحي هذا العمل من دراسات باحثين في جامعة بومبيو فابرا ببرشلونة، واعتمد العلماء على قاعدة بيانات كيبيك التي تعرف باسم “بالساك” (BALSAC) وتحتوي على علاقات الأنساب التي تربط خمسة ملايين فرد، تزاوجت الغالبية العظمى منهم في كيبيك على مدى القرون الأربعة الماضية.
و”بالساك” هي قاعدة البيانات الوحيدة من نوعها في العالم، وقد بدأ العمل على تطويرها عام 1972 في جامعة كيبيك تحت إشراف المؤرخ جيرار بوشارد، وتحتوي على معلومات وراثية لأكثر من 960 فردا من سكان كيبيك الحديثة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة تومي هاردينغ، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة مونتريال، إن بالساك قاعدة بيانات رائعة للباحثين، لأن كمية ونوعية البيانات التي تحتويها تعد استثنائية حقا.
لقد حوفظ على سجلات الرعية التي لدى القساوسة الكاثوليك بدقة فائقة، بحيث أصبح من الممكن اليوم -بفضل التقدم التكنولوجي- استخدام هذه البيانات لتحديد العظام في المقابر غير المميزة بشواهد.
حيث لم تكن شواهد القبور شائعة الاستخدام في كيبيك حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لذلك تحتوي المقابر التاريخية على العديد من المقابر دون شواهد.
جزيئان جينيان
قاد هذه الدراسة الخبير في التركيبة الجينية والتنوع الوراثي داميان لابودا، أستاذ في قسم طب الأطفال بجامعة مونتريال ومركز أبحاث مستشفى سانت جوستين التابع لها.
وقال لابودا إن “علم الوراثة -بالطبع- قد استخدم عدة مرات لتحديد بقايا الشخصيات التاريخية، مثل أفراد العائلة الإمبراطورية الروسية الرومانية الذين قتلوا على يد البلاشفة ودفنوا في قبر جماعي، والملك الإنجليزي ريتشارد الثالث الذي توفي عام 1483 وتم اكتشاف رفاته عام 2012”.
وأضاف لابودا “ما هو مختلف عن الطريقة الجينية لفريق البحث لدينا هو أننا نستخدم المعلومات الواردة في علامتين جينيتين تنتقلان إلى الأطفال من قبل أحد الوالدين فقط: كروموسوم “واي”، الذي ينتقل من الآباء إلى الأبناء، والحمض النووي للميتوكوندريا الذي ينتقل من الأمهات إلى بناتهن وأبنائهن”.
إذ يتم توريث هذين الجزيئين الجينيين مع بعض التعديلات (الطفرات)، بحيث يكون للأفراد اليوم نفس تسلسل الحمض النووي لأسلافهم الذين عاشوا قبل أكثر من عشرة أجيال، أو قريب منه.
العظام القديمة تحكي الحكاية
من أجل اختبار إمكانات الطريقة الجديدة بشكل تجريبي، اختار الباحثون ستة هياكل عظمية لذكور مجهولي الهوية، تم استخراجها من أربع مقابر تاريخية في كيبيك.
يقول هاردينغ “أرسلنا هذه العظام إلى مختبر في جامعة بومبيو فابرا في برشلونة متخصص في تحليل الحمض النووي التاريخي. واستخرج هذا المعمل الحمض النووي من هذه البقايا وقام بتحليلها للكشف عن علاماتها الوراثية الخاصة بالميتوكوندريا والكروموسوم واي”.
ثم قارن الباحثون في كيبيك العلامات الوراثية من هذه البقايا التاريخية مع نفس العلامات الوراثية لأكثر من 960 من مواطني كيبيك المعاصرين الذين تطوعوا ليتم تنميطهم (ترميزهم) وراثيا في مشروع بحثي سابق، وتم تأسيس سلسلة النسب باستخدام بيانات السكان من قاعدة بيانات “بالساك”.
أسفرت النتائج عن اشتراك 12% فقط من الرجال الذين تزوجوا قبل عام 1850، وتم تضمينهم في قاعدة بيانات “بالساك” في خصائص الميتوكوندريا وكروموسوم “واي” مع 960 فردا من سكان كيبيك المعاصرين.
ويرى هاردينغ أنهم إذا استطاعوا زيادة مشاركة البيانات الوراثية لعدد الأفراد المعاصرين بشكل كبير، فيمكنهم تحديد ما يصل إلى 87% من الرجال المتزوجين قبل عام 1850.
استخدامات أخرى
يقول هاردينغ “بالإضافة إلى استخدامها لتحديد هوية البقايا التاريخية هنا في كيبيك، قد تستخدم طريقتنا لتحديد رفات الجنود الكنديين الذين لقوا حتفهم ودفنوا في الخارج خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية”.
وهو يعتقد أيضا أن هذه الطريقة لها تطبيقات محتملة في الصحة العامة، وأنها يمكن أن تساعد ليس فقط في معايرة الطرق الأخرى -مثل إعادة بناء الجينوم التاريخي باستخدام نماذج المعلومات الحيوية- ولكن أيضا لتعزيز المعرفة بعلم الأوبئة للأمراض الوراثية، وفتح الباب أمام سهولة فحص بعض هذه الأمراض.
المصدر : الجزيرة