فاجأت الحكومة البريطانية كل مؤسسات العمل الإنساني والمنظمات الإغاثية بقرارها تقليص حجم المساعدات الإنسانية للكثير من الدول التي تعد من أكثر البلدان حاجة للدعم الإنساني -وفي مقدمتها دول عربية- كاليمن وسوريا وليبيا وجنوب السودان.
وسيجد عشرات الآلاف من اللاجئين العرب في المخيمات أنفسهم أمام تراجع مخيف للمساعدات المقدمة لهم، باعتبار أن المملكة المتحدة من أكبر المانحين للمؤسسات الإنسانية في العالم.
وتبرر الحكومة البريطانية قرارها بنتائج جائحة كورونا على الاقتصاد البريطاني، في حين يعبر عدد من العاملين في المجال الإنساني عن رفضهم هذا المبرر، ويصفونه بالمشجب الذي تعلق عليه الحكومة هذا القرار، الذي كان يُعد حتى قبل ظهور وباء كورونا.
وأظهرت المعطيات الحصرية -التي كشف عنها مركز “الديمقراطية المفتوح” حجم التقليص الذي سيطول المساعدات الإنسانية المقدمة للدول المحتاجة؛ ففي سوريا سيتم قطع الثلثين من حجم المساعدات المقدمة، لتتراجع من 145 مليون دولار إلى 50 مليون دولار، وذلك رغم وعود وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب باستمرار تقديم الدعم للدول التي تشهد صراعات مسلحة في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة لليبيا، فتخطط بريطانيا لتقليص المساعدات المقدمة لها بنسبة 63%، وهي النسبة نفسها تقريبا بالنسبة لكل من نيجيريا والصومال، وكذلك في جنوب السودان، التي تضم مخيمات للاجئين الإريتريين، حيث يواجه عشرات الملايين خطر المجاعة مع تراجع الدعم البريطاني من 125 مليون دولار إلى 50 مليون دولار.
الضفة الغربية أيضا ستتضرر من هذا القرار مع خفض المساعدات المقدمة بنسبة 50%، وفي لبنان حيث تتجه المساعدات بشكل كبير لمخيمات اللاجئين ستتقلص المساعدات بنسبة تصل إلى 88%.
وتأتي هذه الأخبار للمحتاجين بعد إعلان رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون رسميا تقليص المساعدات المقدمة لليمن بحوالي النصف، لتنتقل من 175 مليون دولار إلى 95 مليون دولار، وهو القرار الذي أثار الكثير من الانتقادات على اعتبار أن اليمن يعتبر الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم، حسب الأمم المتحدة.
وبرر جونسون تقليص المساعدات المقدمة لليمن بالخسائر التي تكبدها الاقتصاد البريطاني بسبب كورونا، مما دفع الحكومة للتخلي عن مبدأ يعرف بنسبة 0.7%، الذي يعني تخصيص هذه النسبة للمساعدات الإنسانية، وهي أعلى نسبة في العالم، وتقليصها إلى 0.5%.
وخلال تقديم الميزانية للعام المالي 2021-2022 أعلنت وزارة الخزانة تقليص الميزانية المقدمة لمكتب الخارجية والكومنولث والتنمية التابع للخارجية، لتهبط من 14 مليار دولار إلى 11 مليار دولار.
بكثير من الأسف، يتحدث الرئيس التنفيذي لمؤسسة إغاثة سوريا عثمان مقبل عن قرار تقليص المساعدات، مؤكدا أنه سيؤدي إلى الكثير من المشاكل للاجئين السوريين ويفاقم معاناتهم، ويقول “نحن لدينا 300 مدرسة تشتغل بالدعم المقدم من الحكومة البريطانية، ومن الممكن ألا تتوفر هذه الموارد لنصف هذه المدارس للاشتغال”.
ويؤكد مقبل أن بريطانيا تراجعت عن الكثير من التعهدات التي قطعتها للمنظمات الإنسانية البريطانية، مضيفا أنه “في البداية أكدوا لنا أنه لن يحصل أي تقليص في ميزانية مكتب التنمية الدولية، وتراجعوا عن الوعد، ثم وعدونا بأن المناطق التي تشهد صراعات مسلحة لن ينقص الدعم المقدم لها، وأيضا تراجعوا عن هذا الوعد”.
ويكشف الخبير في العمل الإنساني عن أنهم عقدوا اجتماعات مطولة مع مؤسسة “بوند”، التي تعد أكبر تجمع لرؤساء المنظمات الإغاثية في العالم، و”الجميع غاضبون ومصدومون من هذا القرار، لكن الحكومة تقدم المبررات نفسها حول أزمة كورونا”.
ويرى مقبل أن القرار غير مرتبط بالوباء، بل هو مخطط لدى جونسون منذ مدة طويلة، ويعلم أنه لن يواجه أي معارضة لأن لديه أغلبية مريحة والمعارضة ضعيفة جدا.
المصدر: الجزيرة