“غوطةُ دمشقَ مشهدٌ منَ الحياةِ أمامَ موتِ العالم”
“محمد مسلم العبيدو “كفرنبل” “إدلب”
لكلِّ عاصمةٍ بُقعةٌ جغرافيّةٌ تُميّزُها عن غيرها، وتكونُ مرآتَها أمام العالمِ وشامةً في وجهِ الحضارةِ والتاريخِ والثّقافة، ونبعاً للثورةِ والغضبِ والحقَّ، فكيفَ إذا كانتِ العاصمةُ هي “دمشق” والبُقعةُ هي “الغوطة”..؟؟
الغوطةُ الشرقيّةُ هي منطقةٌ تقعُ بريفِ دمشقْ، تبلغُ مساحتُها حوالي 110 كيلو مترٍ مربّعٍ وعددُ سكّانها يقدّر بمليونين ومئتي ألفْ، ويقطِنُها حالياً ما يقارب 400 ألفِ نسمة، ومنذُ عامِ 2012 أصبحت معقلاً للثوّار، ومنذُ ذلك الوقت حاصرها جيشُ الأسدِ حصاراً محكماً ما تسبّبَ بأزمةٍ إنسانيةٍ بشعةٍ من كافّةِ الجوانبْ، حتّى دخلت ضمن اتفاقيّةِ “خفض التصعيد” في العام الفائت.
تعتبرُ الغوطةُ من أولى المناطق في سوريا التي شاركتْ في الثورةِ ضد نظام آل الأسد، حيث شاركت جميعُ مدنها وبلداتها بالمظاهراتِ وأبرزها مدينةُ “دوما” ما دفعَ جيشَ الأسدِ لاستعمالِ العنفِ ما أسفرَ عن سقوطِ العديدِ من الشهداءِ والجرحى في صفوف المدنيين.
فقدتْ قواتُ الأسدِ سيطرتَها على الغوطةِ في عامِ 2012 بسببِ المواجهاتِ العنيفةِ مع الثوّار، وفي العام الذّي تلاهُ فرضت حصاراً محكماً عليها ما أدى لأزمةٍ إنسانيةٍ خطيرةٍ ونقصٍ في الأدويةِ والموادِ الغذائيةْ، إضافةً لمجزرةٍ سجّلتْ في تاريخِ الثورةِ بأنها من أفظعِ المجازرِ حيثُ استشهد أكثر من 1600 مدنياً جلّهم من الأطفالِ بسببِ استهدافِ قواتِ الأسدِ المنطقة بالأسلحةِ الكيميائيةْ.
ورغمَ أنَّ الغوطة شُمِلَتْ في اتفاق “خفضِ التصعيد” الذّي تمَّ التوصل إليه ضمنَ مفاوضاتِ “أستانا” برعاية “روسيا وتركيا وإيران” في أيار 2017، فإنّها تعرّضت لمئاتِ الغاراتِ الجويَّةِ وقذائفِ المدفعيّة.
وَقالَ “برنامجُ الأغذيةِ العالميّ” التابع للأمم المتحدة في تقريرٍ له في تشرين الثاني 2017 إنَّ سُكّانَ الغوطةِ يُعانونَ منْ نقصٍ شديدٍ في الغذاءْ، لدرجةِ أنّهم يأكلونَ القمامةَ ويفقدونَ الوعيَ بسببِ الجوعِ ويجبرونَ أطفالهم على التناوبِ على تناول الطعام.
وَليسَتْ مجزرةَ السلاحِ الكيميائيّ عن مجزرةِ الأمسِ بطائراتِ “بشّارِ الأسدِ” ببعيدة، حَيثُ استشهدَ أكثرُ من ثمانينَ مدنياً وأصيبَ المئاتُ إضافةً لدمارٍ هائلٍ في الأبنيةِ السكنيّة بقصفٍ جويّ على مدن وبلدات دوما وحرستا وعربين وزملكا وعين ترما ومديرا.
لتكونَ مجازرُ الغوطةِ هي من بينِ أعظم المجازرِ في التاريخ كمجازرِ “بورما” و”روندا” وغيرها.
بالأمسِ كانتِ الغوطةُ على موعدٍ جديدٍ معِ الثّباتِ والتضحيَة، وكانتِ الدماءُ تسيلُ في شوارعِ “دوما” لتُقَبِّلُ الأشلاءَ في أزقَّةِ “حرستا”، ولم تكنِ الأحداثُ مشهداً تمثيلياً كما روّجَ إعلامُ النّظام بلَ كانَ مشهداً واقعيّاً يلّخصُ الحياةَ في سوريا بشكلٍ عامٍ وفي الغوطةِ بشكلٍ خاصْ، كانَ مشهداً من مولدِ الشهداءِ أمامَ فناءِ نظامِ البعثْ، كانَ مشهداً من الحياةِ أمامَ موتِ العالمْ..!!