صوتُ الحريَّة أقوى من صوتِ الطغاة
أهم الأحداث في السنة الأولى من الثورة “درعا”
لأنَّ كلمةَ الإنسانِ مُشتَّقةٌ من الأُنسِ والرأفة، لم يرضَ المواطنُ السوريُّ أن يبقى مقيَّداً بسلاسلِ المعتقلاتِ والمخابرات، فخرجَ في الأزقَّةِ والساحاتِ ينادي “الشعب السوري لا يُهان” بعد نصفِ قرنٍ من بطشِ الأسد، خرجَ السُّوريَّونَ لكي يُثبتوا للعالمِ أن صوتَ الحريَّةِ أقوى من صوتِ الطُغاة.
في 15 آذار/مارس 2011 وبعدَ أن عمَّتِ الثوراتُ في معظمِ الدولِ العربيَّةِ ضدَّ الأنظمةِ الحاكمة، كانَ لا بُدَّ للسُّوريين أن يخرجوا على نظامٍ أشدَّ جوراً من الأنظمةِ الأخرى.
وكانتِ شرارةُ الثورةِ من مدينة درعا، ولأنَّها تهدفُ لمستقبلٍ مُشرق، كان أطفالُ درعا هم من حَملوا لواءَ الحياةِ الجديدةِ على أعتاقهم دونٍ خوفٍ من الأمنِ والسياط.
كَتبوا بأناملِ براءتهم سطوراً عجزَ النظامُ عن إزالتِها من قلوبِ الأهالي، قلوبٌ لطالما تفطَّرتْ حُزنا على فقدانِ من هتفوا أمام العالم “الشعب يريد إسقاط النظام”.
لم يكُنِ النظامُ يعتقدُ أنَّ الحالَ سيتطورُ لأنَّهُ وعلى مدارِ عقودٍ كانَ حقوداً ولدود، ما دفعهُ لاعتقالِ الأطفالِ الذَّين لم تتجاوزَ أعمارهم الـ14 ظنَّاً منه أنَّه سيُخمدُ النارَ في الشوارعِ دونَ أن يدري أنَّ النارَ مشتعلةٌ في الأفئدة.
اعتقالُ الطفولةِ كانَ بمثابةِ الولادةِ للسُّوريين والحتفِ لنظامِ البعث، حيثُ خرجتْ مظاهرةٌ في “سوق الحميدية بدمشق” ومظاهراتٌ في شتَّى أنحاءِ درعا أطلقَ عليها “جمعة الكرامة” تنديداً بأفعالِ الأمنِ ضدَّ الأطفال، وكانَ أوَّلَ دمٍ يُراقُ هو استشهادُ شابَّينِ من شبابِ درعا برصاصِ الأمنِ لتكونَ دماؤهم وقوداً لثورةٍ لن تنتهي.
وفي التاسعِ عشر من آذار، خرجتِ الحشودُ لتشييعِ الشهداءِ لتردَّ قواتُ النظامِ عليهم بإطلاق النارِ ومن حينها أصبحت كلُّ جنازةٍ مظاهرة.
في الواحدِ والعشرينِ من آذار، انطلق الشعبُ الثائرُ من الجامعِ العمريِّ بدرعا في الوقتِ الذَّي انقطعت فيه الاتصالات عن المدينة وبدأت الدباباتُ والمدرعاتُ تشرعُ لمحاصرتها.
في الثالثِ والعشرين من الشهر ذاته اقتحمت قواتُ الأسدِ الجامعَ العمريَّ وبدأ من حينها عددُ الشُهداء يزداد، بطشُ الأمنِ لم يثني من عزيمةِ أهل درعا ومن حولها فانطلقت في اليومِ التالي مظاهراتٌ حاشدةٌ حوتِ الآلاف، كما شهدت المدنُ المجاورة مظاهراتٍ متَّجهةً لها غير أنَّها قوبلت بالرصاص.
في الخامسِ والعشرين من آذار، بدأت الثورةُ تظهرُ بصورةٍ أكبر فانطلقتِ المظاهراتِ في معظم محافظاتِ سوريَّا درعا وحمص واللَّاذقيَّة وحلب وحماة وإدلب.
في الثلاثين من آذار، كانَ الخطابُ الصادم من “بشّار الأسد” حيثُ كان إهانةً لمطلبِ شعبٍ حُرٍّ لم يعد يرضى بالذُّل.
في الأوَّل من شهر نيسان، كانت قد انضمت الحسكةُ والقامشلي وعامودا وبانياس ثمَّ دوما والمعضميَّة إلى المظاهرات التي تطالب بالحريَّة وإسقاط النظام، وتوالى في شهر نيسان اشتعالُ باقي المدنِ واشتعال جنونِ النظامِ الذَّي وجَّه دباباته وجنوده إلى المحافظات.
وفي شهر أيَّار، توَّسعَ نطاقُ الحصارِ ليشملَ حمص وبانياس وغيرها من المناطق، ومع كلَّ قطرةِ دمٍ تسيلُ من جسدِ شهيدٍ توقدُ الثورةُ من جديد.
حتَّى كان الثالثُ من حُزيران، مشهداً جديداً للمظاهراتِ المليونية في ساحةِ الشهداءِ في حماة، كما توَّسعتِ العملياتُ العسكريَّةُ ضدَّ الذَّين انشقوا عن جيشِ الأسدِ وانضموا لصفوف الثورة، وبدأت ملامحُ الهجرةِ تظهرُ على حياة السوريين.
لم يُثني ذلك الشعبَ فكانَ في الثلاثين من حُزيران، بركانُ حلب ومع الأوَّل من تموَّز أطلقت “جمعة ارحل”.
تصاعدتِ الثورةُ يوماً بعد يوم، وكانت دماء الشهداء وقودها، ورغم كلِّ التَّحولاتِ والتغيّيراتِ التي حصلت فيما بعد لم ينفي ذلك بأنّها سلميَّة من قبل شعبٍ أعزلٍ تظاهرَ وسطَ الرصاص.
لن يطوي التاريخُ صفحاتِ إجرام النظامِ وستظلُّ الثورةَ شعلةَ نورٍ تضيء طريقَ الأحرار.
محمد مسلم العبيدو (كفرنبل_إدلب)