إدلب.. الوطن البديل
لطالما كنا مخدوعين منذ فترة طويلة بشعارات الوطنية البراقة التي كان يتغنى بها نظام الأسد الأب والأبن فالوطنية وبمقياس آل الأسد هي أن تكون محباً لجيشك وقائدك وبأن لا تتمرد على الدولة مهما كانت مطالبك محقة وأن تقدم نفسك رخيصة في سبيل إرضاء القائد وكل من يخرج عن تلك الصفات لا يحق له أن يكون جزءاً من ذلك الوطن ولا يحق له التمتع بصفة الوطنية.
منذ بداية الثورة السوية في أوائل العام 2011 تغيرت الكثير من الأمور بالنسبة للشعب السوري، منذ خروج الشعب في المظاهرات التواقة للحرية والتغيير كان لابد لمن يدعي الوطنية بالوقوف مع مطالب الشعب والعمل على تحقيقها في أقرب وقت وبدلاً من ذلك وقف في وجه تلك المطالب وأعتبرها جزءاً من المؤامرة الكونية التي يختلقها الغرب ضد نظامه الممانع والمقاوم والوطني.
تغيرت الكثير من الأحداث بعد تاريخ الثامن عشر من آذار في سوريا فالشعب المتطلع للحرية وتحصيل حقوقه لم يتوقف بل وأصر على الاستمرار لعل من يدعي الوطنية يستجيب لمطالبهم، إلا أنهم كانوا مخطئين في توقعاتهم فبدلاً من تنفيذ ما خرجوا مطالبين به لجأ نظام الأسد إلى قمع تلك الاحتجاجات بالعنف والرصاص الحي ظناً منه بأن الشعب سيستكين ويتوقف عن المطالبة بحقوقه.
لم يترك نظام الأسد أية من الوسائل إلا واستخدمها في حربه على الشعب السوري فمن قمع المظاهرات السلمية التي كانت أغصان الزيتون في تلك الأيام هي أسلحة هذا الشعب البسيط إلى قصف المناطق الثائرة عن حكمه.
لم يتوقف هنا بل وبدأ باستخدام أساليب جديدة لعله ينجح في إسكات صوت الثائرين عن حكمه وكانت الأساليب التي لجأ إليها النظام كثيرة فهو لم يترك جهدا إلا واذخره في سبيل قمع ووئد ثورة الشعب السوري.
قتل وقصف وتهجير واعتقال تجويع وحصار كانت أساليب نظام الأسد التي استخدمها في وأد وإسكات صوت الثائرين عن طغيانه.
لم يترك نظام الأسد أي من المناطق الثائرة في العاصمة دمشق ومدن حمص والمناطق الشرقية في مدينة حلب إلا واستخدم معها كل الأساليب الوحشية غياية منه في إخضاعهم وإعادتهم إلى حضن العبودية والذل.
كثيرة المناطق والتي تعامل معها نظام الأسد بسياسات وأساليب تعد الأكثر وحشية في زمننا المعاصر إلا أن ذلك النظام لا يبدو وبأنه يهتم بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
أحياء حمص القديمة وبعد فترة من الحصار والقصف والتجويع قبلت بعقد اتفاقية تهجير أو كما يسميها نظام الممانعة والوطنية باتفاقيات المصالحة الوطنية إلى مناطق الشمال السوري.
لم تكن أحياء حمص الوحيدة والتي قبلت بعقد اتفاقيات مع نظام الأسد مرغمة، فمدن المعضمية وداريا ومناطق الغوطتين الشرقية والغربية ووادي بردى وأحياء حلب الشرقية كلها مجتمعة قبلت بالتهجير على الخنوع والركوع لنظام الأسد.
كل تلك المناطق وبعد كل ما أصابها من الفظائع والجرائم التي لم تتوقف يوما واحد أثناء حملات نظام الأسد بالسيطرة عليها قبلت مرغمة بالتهجير على البقاء تحت رحمة قوات النظام وميليشياته واختار أهالي تلك المناطق الرحيل عن مناطقهم التي ولدوا وعاشوا فيها طيلة حياتهم.
كانت محافظة إدلب في الشمال السوري والتي اختارها نظام الأسد لتكون وجهة المناطق التي هجر أهاليها منها، مدينة إدلب والتي تعتبر اليوم الوطن البديل لمئات الالاف من السوريين والذين هجرتهم آلة الأسد العسكرية.
أهالي محافظة ادلب والذين استقبلوا أولئك المهجرين قسرا من مدنهم وبلداتهم واسكنوهم في بيوتهم واعتبروهم جزءا لا يتجزأ من النسيج المكون للمحافظة سيكتب التاريخ يوماً على حفاوة استقبال إخوانهم المهجرين من مدن وبلدات عديدة التي أبت أن تكون تحت رحمة النظام مرة أخرة بعدما عانقت رياح الحرية.
ستبقى مدينة إدلب وطنا آخر لكل من لم يقبل بالخنوع والركوع لنظام لم يعرف إلا لغة القتل والدمار لإسكات ووأد كل من خرج مطالب بالحرية والكرامة.
حمزة العبد الله (كفرنبل، ادلب)