لماذا يصبح الطفل مجرما؟
العديد من الصفات البشرية المتعلقة بالسلوك الإجرامي مرتبطة في الواقع بجملة من العوامل الخارجية والضغوط النفسية وغياب الدعم.
يقول الكاتب والطبيب النفسي جوزيف باسكن إن السنوات التي أمضاها في إجراء مقابلات وجلسات نفسية مع آلاف المرضى علمته الكثير، وساعدته على اكتشاف بعض الصفات البشرية المرتبطة بالسلوك الإجرامي.
وأشار الكاتب -في مقاله الذي نشرته مجلة “سايكولوجي توداي”- إلى أن نظرية الطبيعة مقابل التنشئة لم تعد صالحة، ذلك أننا جميعا ورثنا جينات من الوالدين لكنها تتغير بسبب العوامل الخارجية، والضغوط غير المتوقعة والصدمات النفسية؛ مما يجعل بعض الجينات هي المسيطرة على حساب غيرها.
وخلال السنوات التي تتطور فيها هذه الجينات، تتأثر المسارات العصبية بسبب الضغوط البيئية، سواء في ظل وجود أو غياب الدعم.
وأوضح الكاتب أن شخصية الطفل الذي يكبر في وسط تتوفر فيه جميع ضروريات العناية الأساسية سيكون مختلفا جدا عن شخصية طفل يشعر بالقلق حيال المكان الذي سيتناول فيه وجبته التالية، أو طفل تعرض لصدمة جراء الاعتداء أو الإساءة الجنسية. ويتمثل العامل الرئيسي لتجاوز هذا الأمر في المرونة والقدرة على تجاوز صعوبات الحياة والوقوف مجددا بعد السقوط.
وأكد الكاتب أن الحظ السيء يلعب دورا مهما في توليد السلوك الإجرامي. فالشخص الذي يتمتع بقدر لا بأس به من المرونة باستطاعته تحمل مسألة فقدان أحد والديه إذا ظل أحدهما إلى جانبه لتقديم الدعم. ولكن تكرر الأزمات من شأنه أن يؤثر حتى على شخص يتمتع بمرونة عالية. وفي بعض الأحيان، قد لا يتحمل الشخص الكثير من الأمور السلبية التي تحدث في حياته، وعندها تبدأ أعراض السلوك الإجرامي في الظهور.
وأشار الكاتب إلى أن الذات البشرية تتمتع بدرجات متفاوتة من الذكاء والبصيرة والتعاطف، إلى جانب الاندفاع والقدرة على تأجيل الإشباع وتحمل العواقب. وكل هذه السمات موجودة في سلسلة متصلة، وهي مزيج من كل جوانب الشخصية التي تتفاعل مع العالم الخارجي، أو بالأحرى هي مزيج معقد يشكل شخصية كل فرد.
ولا يولد الإنسان واعيا بالقيم الأخلاقية، لهذا السبب غالبا تجد الطفل الصغير مستمتعا بسحب ذيل القطة دون الشعور بالذنب. في هذه المرحلة، يتوجب على الآباء إخبار أطفالهم أن هذا التصرف خاطئ لأنه يسبب الألم للحيوان وله أيضا، لذلك من الأفضل تجنبه.
تنشئة
ولكن الفص الأمامي في الدماغ هو القسم المسؤول عن التنشئة الاجتماعية، ولا يتطور بشكل كامل حتى منتصف العشرينيات. وجميعنا نتذكر القرارات الغبية التي اتخذناها في أواخر سن المراهقة أو في أوائل العشرينيات، عندما كنا نعتقد أن ما نفعله هو الصواب. ومن المعروف أيضا أن الأربعين هو السن التي يصبح فيها أغلب الناس -لا سيما الرجال- أكثر نضجا.
وصرح الكاتب بأنه من النادر مصادفة شخص شرير بدرجة كبيرة، أو يشكل خطرًا دائمًا على المجتمع، وهؤلاء الأشخاص هم مرضى نفسيون يفتقرون بشدة إلى القدرة على التعاطف مع الآخرين، ويخدمون مصالحهم الذاتية فقط. ولكن هذا الأمر لا يعني أن المرضى النفسيين يتصرفون بحرية مطلقة، وإنما هم على دراية بالقوانين والأخلاق ويتخذون قرارات مثلنا تماما.
وفي الختام، أشار الكاتب إلى أن سماع الطفل وتعلمه تقبل الرفض يساعدانه في التعامل مع خيبة الأمل عندما يصبح شخصا بالغا. وعندما يحرم بعض الأشخاص من شيء ما، فإنهم يصبحون أقل ميلا إلى اتباع المعايير الاجتماعية والقوانين، خاصة إذا كانوا يشعرون بأنهم يستحقون هذا الشيء، حيث يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة لأن الحياة لم تكن عادلة معهم.
المصدر : مواقع إلكترونية