تغلبت الطالبة السورية “منال قدور” التي تنحدر من بلدة “العبّادة” بمنطقة “الغوطة” الشرقية بريف دمشق، على ظروف الحرب ووطأة التهجير واللجوء اللذين عاشتهما طوال السنوات الماضية، حيث حصلت على المرتبة الأولى بامتحانات الشهادة الثانوية العامة في ولاية “بريمن” الألمانية، بمعدل نجاح قدره 1.6 %، وهو معّدلٌ ممتاز حسب تقييم إدارة المدرسة نتيجة تفوقها على 2987 طالب وطالبة.
وصلت “منال” إلى ألمانيا في آذار/ مارس من العام 2015، وذلك بموجب قانون لمّ الشمل الذي تقّدم به والدها -آنذاك- إلى الحكومة الألمانية، لكن لم يحالفها الحظ في بادئ الأمر لاستكمال تحصيلها العلمي، بسبب رفض المدارس الألمانية تسجيلها في فرع الدراسة الثانوية العامة، نظراً لتجاوزها سن السادسة عشر، لذلك حصروا قبولها فقط لدى فروع الدراسة المهنية.
وحول أبرز تلك المصاعب يقول الأستاذ “نبيل قدور” والد الشابة “منال” في حديثه لـ”زمان الوصل”، تمثلت أولى المصاعب التي واجهت “منال” بعدم وجود مكان شاغر لها في المدارس الألمانية، لكنها أبت أن تتراجع عن تحقيق حلمها في دراسة الطب البشري، فأتقنت المستوى الأول من اللغة الألمانية في المنزل، وعندما انتقلنا إلى منزلٍ جديد تمّ قبولها بصعوبة وبمساعدة بعض الأصدقاء الألمان في مدرسة “فيلهلم أولبرس” في حي “هيميلنغن” بمدينة “بريمن” المجاورة لنا.
وأضاف “إصرار وعزيمة (منال) على تحقيق حلمها، دفع بالعائلة إلى الانتقال للسكن في حي (هيميلنغن) لتكون قريبة من مدرستها، فدخلت الصف الثاني الثانوي العام قبل انتهاء العام الدراسي بثلاثة أشهر، لتجد نفسها أمام عائقين: المنهاج الدراسي، واللغة الألمانية التي لم تنطقها سابقاً قط”.
وأردف “عانت (منال) من مواقف محرجة عقب التحاقها بالمدرسة، إذ لم تتلقَّ أي مساعدة أو دعم من زملائها الذين لم يتفهوا عدم معرفتها الجيدة بأمور اللغة التي لا تكفي في تلك الفترة لمستوى المرحلة الثانوية في ألمانيا، ومن بين تلك المواقف كان عندما سألت أحد زملائها عن معنى أحد المصطلحات في حصة السياسة، فلاقت منه الاستهزاء والسخرية، لكن المفاجأة كانت لاحقاً عند رسوب الطالب ذاته في امتحان الشهادة الثانوية”.
وعلى الرغم من قسوة الظروف المحيطة بها، إلا أنّ “منال” بدأت بتسخير كل طاقتها لتتمكن من تعلم اللغة الألمانية بشكلٍ جيد، فراحت تدرس اللغة لوحدها لفترة زمنية امتدت بين 5 إلى 6 ساعات يومياً، إضافةً إلى أنها أكثرت من اقتناء وقراءة كتب اللغة، والتحقت بدورة تساعدها على تعلم اللغة الألمانية المفروضة على جميع اللاجئين، فأتمتها بزمنٍ قياسي مدته ستة أشهر، مع العلم أن إتمام مثل هذه الدورة يستغرق عادةً ما بين عام ونصف إلى عامين. وأوضحت “منال” في حديثها لـ”زمان الوصل” قائلة “كان لزاماً عليَّ أن أثبت جدارتي في التعلم لكوني لاجئة ومسلمة، وفي البداية لجأت إلى استخدام قاموس عربي – ألماني، لكن اكتشفت فيما بعد وجود توظيف مفردات في مواضع غير مناسبة في الكتابة، الأمر الذي دفعني لاستخدام قاموس ألماني-ألماني، وبذلك تمكنت من التفوق على الطلاب الألمان حتى في لغتهم ومفرداتهم”.
وأشارت “منال” إلى أنّ والدها كان من أكثر المشجعين لها للمضي قدماً في مسيرتها التعليمية، فقد حثها على تحديد هدف في حياتها تسعى من أجله، وساعدها في حلِّ مسائل الرياضيات والكيمياء، بالإضافة إلى أنه أوصاها بالتحلي بالأخلاق الحسنة والخصال الحميدة لتترك انطباعاً حسناً لدى الأصدقاء الألمان الذين استقبلوا عائلتها وساعدوها على الاندماج في المجتمع الجديد. وعقب الاعلان عن نتائج امتحانات الشهادة الثانوية؛ تقدّمت “منال” إلى المفاضلة في ست جامعات ألمانية بهدف الحصول على مقعد في إحدى كليات الطب البشري، وريثما يأتي الرد-خلال أسبوعين من الآن- فإنها تشارك اليوم في الأعمال التطوعية الخاصة بمشفى (Bremen-Mitte) ، كما أنها تحضر للمشاركة في العمل ضمن منظمة لاجئ للاجئ التي تسعى لتقديم المساعدات الدراسية لأطفال اللاجئين.
المصدر: زمان الوصل