رمضان إدلب… موائد مغطسة بالدماء
في كل بلاد العالم ينتظر المسلمون قدوم شهر الخير والبركة، شهر الصيام، شهر رمضان الكريم بالتحضير والتجهيز لاستقبال هذا الشهر الذي يزورهم في كل عام، فتنشط حركة الأسواق التجارية استعدادا لاستقباله.
ويكون لليوم الأول جوه الخاص فالعائلات تجتمع على مائدة السحور التي لا تغيب طيلة ثلاثين يوما متتاليا، وأما بالنسبة لوجبة الفطور فلها رونقها الخاص والمميز بأصناف متنوعة من المأكولات الشهية واجتماع جميع أفراد العائلة منتظرين آذان المغرب.
أما في سوريا وتحديدا محافظة إدلب يأتي رمضان هذا العام بأجواء يخيم عليها الحزن والكآبة، فأصوات الطائرات التي تلقي حممها على منازل المدنيين أصبح أمرا اعتياديا، وكأنها رسالة محملة بالدم لكل من رفض الخنوع لنظام الأسد، رسالة يراد لها أن تصل للمدنيين في المحافظة بأنهم لن يهنئوا بتناول وجبة الإفطار في أجواء يسودها الهدوء والسكنية بعد صيام يوم طويل، فمن المعروف في معظم دول العالم بأنه وقبل دقائق معدودة من آذان المغرب يضرب مدفع الإفطار في إشارة لانتهاء مدة الصيام، لكن ليس في سوريا فأصوات المدافع لا تسمع إلا عند قصف المدن والبلدات انتقاما من أهلها الثائرين والرافضين للخنوع لنظام استخدم كل ما يملك من أسلحة وترسانة عسكرية لإذلالهم.
ليس ببعيد وخلال الأيام الأولى من شهر الخير والرحمة وقبل آذان المغرب بقليل بثت صفحات لموالين لنظام الأسد جنديا في ريف حماة الشمالي وهو يفتخر في استهدافه للمناطق السكنية “معتبرا هذا القصف كإطلاق مدفع الإفطار”، لكنه وللآسف قصف يستهدف المدنيين الأمنين، قصف يستهدف النساء والأطفال، فالقذيفة أو الصاروخ لا يجيدان التفريق بين المدني و”الإرهابي”، لكن عندما يكون من يقوم بإطلاقهما شخص يعرف بأنهما سيسقطان على منازل المدنيين فهي جريمة بشعة وشنيعة، حتى أنها تعتبر جريمة حرب وإبادة.
ليست مقاطع الفيديو التي نشرت بشيء جديد فنظام الأسد لا يمكن لأحد أن يضاهيه في الإجرام والإرهاب فهو يعتبر كل من خرج في الحراك السلمي إرهابيا يجب القضاء عليه، ولهذه الحجج تقصف المنازل والمساجد والمدارس والمشافي ويقتل الأبرياء ويشرد المدنيين.
مضت الأيام الأولى من شهر رمضان هذا العام بشكل مختلف عن السنوات السابقة، فقبل أيام من دخوله بدأت قوات النظام والمليشيات المرتبطة بروسيا مدعومة بالطائرات الحربية حملة عسكرية في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي بغية السيطرة عليهما، حملة ابتدأت بقصف ناري مكثف، حتى أولى أيام رمضان لم يهدأ القصف فيها، لا في موعد السحور ولا حتى في موعد الإفطار، لتتحول تلك المواعيد الهامة في شهر رمضان إلى كابوس وقلق للمدنيين، فجسر الشغور كفرنبل ومعرة النعمان مدن شاهدة على الإجرام الروسي والأسدي، مجازر ارتكبتها طائرات الغدر قبل موعد الإفطار في مدينة جسر الشغور ومعرة النعمان ليسقط عشرات الشهداء والجرحى على أثرها ويتحول إفطار المدنيين إلى وقت للبكاء والحزن وتوديع الأحباء ولتتحول الموائد إلى موائد مغطسة بالدماء، وللمفارقة في أندو نسيا تكفلت الحكومة بإيقاظ المسلمون على وقت السحور عن طريق الطائرات الحربية ما أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي إدلب تكلفت الطائرات الروسية بقتل المدنيين وتحويل موائدهم إلى ركام وخراب.
رمضان هذا العام يحل على المدنيين كالغريب واليتيم، فعشرات الأرواح فقدت حياتها وآلاف العائلات هجرت من منازلها في ظل ظروف قاسية، تحت الأشجار وبدون منازل، وسط غياب للمنظمات الإنسانية وافتقار المدنيين لأدنى مقومات الحياة، لتغيب الأجواء الرمضانية ولتسود أجواء الخوف والرعب.
حمزة العبد الله