“ليتني لم أخرج!”
أقسى أنواع العذاب أن يجد الإنسان نفسه منبوذاً من أقرب الناس إليه، حينها يتمنى لو أنه لم يولد، أو لم يعش لهذه اللحظة التي شهد بها تلك المعاناة.
الناجيات من معتقلات نظام الأسد وممن كتب لهن حياة خارج السجون ظللن يعانين، من الاندماج بالمجتمع الذي تخلى عنهن ونظر إليهن نظرة دونية وحملهن مسؤولية اعتقالهن، حيث واجههن المجتمع بكثير من الرفض، وحتى من عائلاتهن التي عشن في كنفها قبل الاعتقال، وحاسبهن على ذنب لم يرتكبنه، في وقت هن بحاجة لدعمه ومواساته لهن والوقوف بجانبهن أكثر من أي وقت مضى.
“هلا” معتقلة سابقة في سجون نظام الأسد، خرجت بصفقة تبادل أسرى مع نظام الأسد، وتم استلامها من قبل ابن عمها ورفاقه.
تقول هلا:
“الخروج من المعتقل كان بالنسبة لي كالحلم فلم أصدق أنني سوف أرى ضوء الشمس وعائلتي وأقربائي مرةً أخرى، ولكن كانت صدمتي كبيرة عندما علمت أن زوجي قام بطلاقي وأنا داخل المعتقل، بالرغم من أنه هو سبب بقائي في المعتقل فقد قام جنود الأسد باعتقالنا سوية لأنني أعمل بالمشفى الميداني، حيث أخبرهم زوجي بأنني أنا من أعمل على إسعاف الجرحى في المشفى الميداني”.
وكأن اعتقالها كان عاراً سيظل لاحقاً بها طوال حياتها، كان طلاق هلا من زوجها هو الصدمة الأولى التي تلقتها بعد خروجها من المعتقل فتمنت لو أنها لم تخرج.
“أما صدمتي الثانية فكانت عندما ذهبت إلى منزل والديّ وقرعت الباب وفتحت أمي، فقلت لها: “أمي أنا هلا يا أمي جئت إليك فقد خرجت من السجن اليوم، وعندما رأتني أمي بهذه الحال التي خرجت بها لم ترأف بي بل قالت كلمات نزلت على مسامعي كالصاعقة:(اذهبي أنا ابنتي ماتت منذ زمن)”.
لم أصدق ما سمعت وحاولت إقناعها ولكنها رفضت وجودي وأغلقت الباب في وجهي، ففاضت عيوني بالدموع وانهالت دون أن أشعر بها كانت لحظات أقسى بكثير مما عانيته في معتقلات الأسد، رفض أم لابنتها هذا لا يصدق، رغم كل ما لقيته من ظلم في المعتقل، وتحملت ذلك على أمل لقاء أمي وأهلي وأحبائي، ولكن كان الظلم خارج المعتقل أقسى بكثير من داخله.
هلا التي كانت تنتظر الإفراج عنها من معتقلات نظام الأسد بفارغ الصبر وكانت تعد الأيام والليالي وتتحمل أقسى أنواع التعذيب من أجل الاجتماع بأطفالها وزوجها الذي كان السبب في صدمتها الأولى وذلك أنه طلقها وحرمها من أطفالها الأربعة وكان رفض أمها لها هو الصدمة الثانية ل هلا، فخاب أملها وتحطم قلبها بعد خروجها، لعدم تقبل والديها لها وهم أقرب الناس إليها، فكيف بباقي المجتمع.
تكمل هلا “لكن ابن عمي وأصدقاؤه الذين سعوا لإخراجي لم يتخلوا عني فشعرت أني مهما قدمت لهم لن أستطيع رد معروفهم معي، فأكملت المسيرة معهم بعملي بالإسعاف الميداني، رغم ما كنت أشعر به من خيبة وانكسار من رفض أقرب الناس لي ورفض المجتمع لي، فكل معتقلة أولادها هم من سوف يثأرون لها ليس ثأرها فقط بل ثأر سوريا بكاملها هذا الكابوس إن شاء الله سوف نتخلص منه قريباً، ونصبح أحرار بالتجول في مناطق سوريا دون خوف”.
هلا إحدى المعتقلات اللواتي خرجن من سجون الظلام ليلاقين المجتمع الذي ترعرعن فيه يرفضهن ويرفض وجودهن فيه، هذه المعاناة التي تلاحق جميع المعتقلات بعد خروجهن من سجون النظام.
إعداد: وفاء المحمد