هل ستبدأ معركة إدلب الكبرى؟
يتساءل الكثير من المدنيين حول ما ستؤول إليه الأوضاع في محافظة إدلب أخر قلاع الثورة السورية، في ظل التهديدات المتجددة من قبل قوات النظام ومن يقف خلفه من مليشيات إيرانية، باقتراب ما يسمونها ساعة الصفر لحسم ملف المحافظة عسكريا، غير مبالين بالاتفاق التركي الروسي الذي وقعه الرئيسان في مؤتمر “سوتشي” في السابع عشر من أيلول الماضي.
فلا يكاد يمر يوم واحد منذ لحظة التوصل لهذا الاتفاق دون خرقه من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية، مدعيةً وجود تنظيمات تسميها “إرهابية ” في المنطقة التي من المفترض أن تكون خالية من السلاح والتنظيمات المتطرفة على حد زعمها، متعمدة من خلال تلك الخروقات إلى إيجاد مبررات مستقبلية تتيح لها فرصة استعادة المحافظة تحت زريعة عدم تطبيق الاتفاق من قبل المعارضة، وكأن تلك الميليشيات حريصة على تنفيذ بنود الاتفاقية التي حرصت كل الحرص على عدم تطبيقها، بل حتى أنها لم تنفذ أي من بنودها المتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة المشمولة باتفاقية “سوتشي”.
دوماً ما تماطل قوات الأسد والمليشيات الإيرانية في تنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات للتهدئة، فحتى اليوم لم تلتزم هذه المليشيات بأي اتفاقية، بل كانت من السابقين لخرقها، ففي كل مرة تجد لنفسها ذريعة تقوي روايتها على عكس المعارضة السورية التي تكون ضحية كل اتفاق، وليس بعيد عن هذا، مؤتمر “أستانا” الذي جرد المعارضة السورية كافة أوراقها العسكرية في معظم المدن السورية باستثناء محافظة إدلب التي أصبحت قبلة جميع المهجرين والرافضين لاتفاقيات “المصالحة الوطنية” التي يتغنى بها نظام الأسد.
مؤتمر “سوتشي” أو كما يجب أن يقال المؤتمر الذي اختلقته روسيا، حيث تعتبر مدينة سوتشي من إحدى المنتجعات السياحية الروسية التي يفضلها الرئيس بوتين في قضاء عطله، وهي المدينة التي رعت اجتماعا ثنائيا لقطبين من أبرز الأقطاب على الساحة السورية تركيا وروسيا، والتي تم التوصل فيها إلى ما بات يعرف باتفاقية “سوتشي” التي خصصت لمدينة إدلب السورية فقط كونها ما بقي للمعارضة السورية التي تخلت عنها غالبية الدول الداعمة باستثناء تركيا، والتي تجد الكثير من المصالح لنفسها من خلال دعم بعض مكوناتها، كما حصل في معارك “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي كانت فصائل الجيش الحر هي رأس الحربة في تلك المعارك، التي فتحت الطريق أمام تركيا لإيجاد موطئ قدم لها في الساحة السورية.
ليس بعيدا عن مناطق سيطرة القوات التركية في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، تنشر تركيا اثنتي عشر نقطة مراقبة على أطراف محافظة إدلب والأرياف المتصلة بها، بموجب مباحثات “أستانا” التي نصت على أن تنتشر القوات التركية في مناطق سيطرة المعارضة، على أن تنشر القوات الروسية والإيرانية نقاطا في الطرف المقابل، ومع أنه من المفترض أن تقوم هذا النقاط بدورها الفعال في رصد الخروقات ومحاسبة الفاعلين إلا أن تلك النقاط لم تقم بدورها المطلوب.
ومع كل التطمينات التي قدمتها نقاط المراقبة التركية للمدنيين في المنطقة بعدم حصول أي هجوم عسكري من قبل النظام على المحافظة، يبدو اليوم بأنها أصبحت مجرد كلام من الماضي في ظل ما تروج له وسائل إعلام النظام باقتراب العملية الكبرى لدخول المحافظة، زاعمه عدم قيام الجانب التركي بمسؤولياته في دفع من تسميهم “بالإرهابين” للانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح، والتي نصت عليها بنود اتفاقية “سوتشي”.
ولا يمكن إخفاء وجود العديد من العراقيل، والتي تجعل من الصعب التكهن بمصير المحافظة، ولعل من أبرز تلك العراقيل عدم وضوح الرؤية الروسية والتي تتغير تصريحاتها بشكل متسارع رغبة منها بالسيطرة على المنطقة لطي أخر ملفات الثورة السورية، إلا أن مصالحها مع الجانب التركي تحول دون تلك الرغبة، ومن تلك العراقيل أيضا الدور الإيراني، حيث لا يمكن إنكار الدور الخبيث لها طيلة تلك السنوات في مساندة نظام الأسد في حربه ضد شعبه، فهي تريد من خلال سيطرتها على إدلب إكمال مخططها الذي بدأته بتغيير البيئة الديموغرافية للسكان في المناطق التي قامت باحتلالها، بالإضافة إلى شعورها بأنها قد تصبح خارج اللعبة عن قريب خصوصا في ظل الرغبة الأمريكية والإسرائيلية بإخراجها من الأراضي السورية، مع علمها أيضا بإمكانية بيعها من قبل روسيا بعد إخراجها من اتفاقية “سوتشي ” التي لم يكن لها أي دور فيها، ولهذه الأسباب يمكن ملاحظة النشاط الزائد لأرتال المليشيات الإيرانية التي تصل إلى محيط محافظة إدلب، وكذلك عمليات القصف التي تقوم بها، إضافة إلى عمليات التسلل التي نسبت لبعض المليشيات الإيرانية على مواقع تابعة للمعارضة شمالي حماة وجنوبي إدلب.
لا يمكن الجزم بعدم حدوث عملية عسكرية للنظام وميليشياته ضد أخر قلاع الثورة السورية في محافظة إدلب، إلا أنه في الوقت نفسه لا يمكن إثبات حدوثها، وذلك لعدة أسباب قد تجعل من إمكانية حصولها في المستقبل القريب أمرا غير وارد الحدوث، ومن تلك الأسباب وجود قواعد عسكرية تركية وربط ملفها بالأمن القومي، ووجود قواسم مشتركة في الملف السوري مع الجانب الروسي، إضافة لتخوف تركيا من حدوث كارثة إنسانية ونزوح أعداد كبيرة من المدنيين إلى حدودها، وهو ما لا تريده.
ما يزيد عن الثلاثة ونصف مليون مواطن سوري من المهجرين من عدة مناطق سورية رافضين للتسوية مع نظام الأسد، يترقبون ما ستؤول إليه الأوضاع في محافظة إدلب في ظل تهديدات لا تتوقف من قبل ميليشيات النظام وداعميه.
حمزة العبد الله