محافظة إدلب: بين المنسية ومحور القضية
تقع محافظة إدلب في الناحية الشماليّة لسوريا، وتعدّ بمثابة بوابة شمالية للبلاد على كل من تركيا وأوروبا، وجغرافيّاً تمتد مساحة المحافظة إلى ستة آلاف ومئة كيلومتر مربع، وتنقسم إلى خمس مناطق إدارية وهي مدينة إدلب، ومدينة أريحا السوريّة، ومعرة النعمان، وجسر الشغور، ومنطقة حارم، وتعتبر مدينة إدلب عاصمة للمحافظة ومركزاً لها. تشترك محافظة إدلب بحدود مع لواء إسكندرون وتركيا من الناحية الشماليّة، ويصل طول هذه الحدود إلى 129 كم، وتحدها من الشمالية الشرقية مدينة حلب ومن الناحية الجنوبية تشترك مع محافظة حماة، وإلى الغرب مع محافظة اللاذقية.
ويشتهر سكان ادلب بالزراعة وتعتبر مدينة إدلب الأولى في سوريا من حيث إنتاج محصول الزيتون المشهورة به، حتى أُطلق عليها اسم بلد الزيتون؛ نظراً للانتشار الكبير الذي تشهده المنطقة وريفها من هذا المحصول، وكما يدخل الزيتون في عدد من الصناعات القديمة فيها كصناعة الصابون، وكما تشتهر المدينة بصناعة الدبس والأحذية والحلاوة والطحينة، وتصدّر كل من البقوليات والقمح والشعير والعنب وبعض أنواع التوابل.
كما تعتبر هذه المحافظة من المحافظات الفقيرة نسباً نظراً لتوجهات سكانها التي تعارض نظام حكم الأسد منذ توليهم مقاليد الحكم في بداية السبعينيات حيث قام أهالي ادلب برشق رئيس النظام السابق حافظ الأسد بالخضار والأحذية في أول زيارة له بعد توليه الحكم، ثم قام أحد أبناء مدينة كفرنبل الواقعة جنوب غرب المحافظة برمي قنبلة يدوية عليه في قصره الرئاسي.
كما نشطت حركة الإخوان المسلمين بشكل كبير في هذه المحافظة خرج معظم أبناها في الثمانينيات لقتال نظام الاسد السابق مع تلك الحركة ما أجبر نظلم حافظ الاسد على قمع تلك الحركة بالحديد والنار، وتشريد مئات العائلات منذ ذلك الحين.
كل هذه العوامل جعلت نظام حافظ الاسد يصب جام غضبه على تلك المحافظة التي لم تقبل بالذل والهوان من بداية توليه الحكم. فأبناء ادلب أصبحوا من المغضوب عليهم لا مناصب ولا وظائف ولا حتى بعض الامتيازات التي تشعرهم أنهم أبناء سوريا.
فإذا أراد ابن ادلب التقدم لوظيفة ما، يحتاج الى موافقة مئات الأفرع الأمنية والرشاوي ليحصل عليها وفي حال عدم الموافقة يعود الى مدينته ليبحث عن عمل في أرضه ولو كان يحمل اعلى الشهادات فهو غير مرغوب به من قبل نظام الاسد وحاشيته.
حرمت هذه المدينة ايضاً من جميع حقوقها المدنية، فلا مشاريع تنموية ولا استثمارية ولاحتى شوارع ومدارس تقارن بباقي المحافظات السورية وبقيت هذه المحافظة على هذا الحال طيلة فترة حكم حافظ الأسد.
وبعد تولي ابنه الحكم رئيس نظام الفساد والإجرام بشار الأسد، استمر هذا الولد على نهج أبيه وسار على الخطوط العريضة التي رسمها له والده مع بعض التغيرات التي لاتصل الى أدنى مستوى من طموح أبناء تلك المحافظة التي تشتهر بذكاء أبنائها ووجود خبرات كبيرة فيها.
كل شيء سار على النهج القديم، لا جديد في المعاملة سوى ازدياد المحسوبيات لصالح أبناء طائفة نظام الاسد على حساب أبنائها، وكثرة الفساد ورفد هذه المحافظة بمعلمين وأفرع امنية وخبرات من خارجها، وحرمان أبنائها من كل تلك الحقوق.
فهكذا عاشت محافظة ادلب كل شيئ سيء لها، وعاش أبنائها كل انواع الحرمان والظلم وبطش حكم الاسد عليهم فسميت بالمحافظة المنسية.
ففي بعض المقابلات التلفزيونية ومعاتبة أحد أبناء محافظة طرطوس التي تعرف بموالاتها لنظام الأسد وسؤاله عن رداءة مادة الخبز والطحين في المحافظة في تلك الفترة، أجابه المسؤول وبكل وقاحة نعتذر لأبناء طرطوس فقد كانت هذه الشحنة من مادة الطحين متوجهة الى ادلب وقد وصلت الى طرطوس عن طريق الخطأ، وهذا مثال بسيط عن 44 سنة من الظلم والحرمان.
ومع بداية الثورة السورية وخروج الشعب السوري الذي عانا من الظلم ما يكفي لكل العالم خرج أبناء ادلب في الشوارع وكانوا السباقين الى الحراك الثوري والذي كان حصيلة ظلم وقهر عاناه أبناء تلك المحافظة.
مطالبين بحقهم كأبناء سورية، لكن بطش الأبن لم يختلف عن بطش أبيه، قتل ودمار تهجير وتشريد وهذه المرة كان في كل أنحاء البلاد.
ما اضطر أبناء ادلب لحمل السلاح في وجه الجلاد والدفاع عن أرضهم وعرضهم كثائر أبناء الثورة السورية، وعرفوا برجولتهم وبسالتهم في القتال والدفاع عن ممتلكاتهم وكانت محافظة ادلب من أوائل المحافظات التي حررت من طغيان الحقد الأسدي، وخاض أبنائها أشرس المعارك على تخومها، كما شارك أبناء ادلب الخضراء في معظم معارك المحافظات السورية وكان لهم الفضل الكبير في تحريرها.
وبعد تدخل الدكتاتورية الروسية والطائفية الإيرانية الى جانب نظام الحقد والإجرام، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة والخدع العسكرية بحق الشعب السوري الثائر ككل واجبارهم على الرحيل من بلدهم أو الخنوع والخضوع الى مطالبهم، اصبحت ادلب هي المقصد والمأوى الوحيد للشعب السوري من مختلف المحافظات، الأمر الذي قابله أبناء تلك المحافظة بكل شهامة ورجولة وفتح ابواب منازلهم امام زوارهم الذين قدموا ظلماً اليهم وبقي هذا الحال حتى اصبحت ادلب هي سوريا بالنسبة الى كل ثائر ومعارض لحكم الاسد.
تجمع فيها كل شرفاء الثورة وأصبحت قوة ضاربة لا يستهان بها، يحسب لها ألف حساب فلديها الرجال والسلاح والإيمان بقضايا الثورة.
كما اصبحت محافظة ادلب من أكثر المحافظات المكتظة بالسكان فبلغ عدد قاطنيها ما يقارب ال 4.5 مليون نسمة من مختلف المحافظات يعيشون حالة فقر وتشريد كبيرة وسط حصار خانق من قبل قوات الاسد من ثلاثة جهات والشريان الوحيد لهذه المحافظة هي الحدود التركية التي لعبت حكومتها دوراً كبيراً وفعالاً في قضيتها.
ومع عجز قوات الاسد وحلفائها عن دخول هذه المحافظة والتدخل التركي للحفاظ على أرواح المدنيين فيه بدأت الاجتماعات والمهاترات الساسية والعسكرية من أجلها فالكل بات قلقاً على ما فيها وأصبحت محط أنظار العالم.
اجتماعات في مجلس الأمن وقمم دولية، وادلب هي المحور الرئيسي وملفها على قائمة المحادثات الدولية والعربية والإقليمية.
ولكن كل هذه الاجتماعات لم تغير من واقع ملايين الناس في تلك المحافظة فكل يوم تخسر عشرات الشهداء وتتألم لمئات الجرحى وتخسر الكثير من أبنائها في مختلف اشكال الموت، قصفاً وحرقاً وغرقاً وظلماً.
كل اجتماعاتهم تتمحور على ادلب وكيفية التعامل مع أهل ادلب وكأن ادلب هي من أخلت بموازين الأرض وأصبحت هي مصدر قلق العالم.
لكن لا نريد منهم شيئاً فقط اتركوا اهلها يعيشون بسلام مع ما تبقى من فتات عوائل وبقايا منازل وصور شهداءها.
فالماضي ظلم وحقد وسجون وغيرها واليوم قتل ودمار وطغيان كل هذا حول ادلب المنسية الى محور القضية، وقضية ماذا ؟؟؟؟؟؟ قضية حلمها بالحفاظ على من تبقى من أبنائها وأبناء زوارها.
محمد العباس (كفرنبل_إدلب)