عذراً أيتها الحياة…ما أقسى ألمكِ؟
بخطواتٍ ثقيلة..
مشيتُ نحو ذلك البيت الصغير، والأسئلةُ في خلدي، كيف ستكون؟ كيف ستتقبل هذا الأمر الذي غيَّر مجرى حياتها؟.
صديقتي التي فقدت طفلها بطرفة عين.
أجوبتي وجدتها حين دخلت تلك الغرفة المظلمة، كان السواد يطغى على المكان، والحزن خيَّم هناك.
ألقيت السلام، هنا بدى كلُّ شيء يتضح أمامي..
سوادُ الحزن في عيون النساء كان أكثر ظلاماً من سواد الليل، جلستُ بجانب صديقتي ووضعتُ يدي بيدها التي كانت باردةً لا حياة فيها، وقلت لها: ” عظم الله أجرك”، ردَّت بصوتٍ خافتٍ مخنوق “شكَّر الله سعيكم”.
وشفتاها ترتجفُ والدمع ينهمرُ من عينيها، حينها عرفتُ إلى أي درجةٍ وصل حزنها.
نظرتُ في عينيها الشاردتين، وصمتها يعبَّرُ عن حزنها، هذا الصمت الذي عجزت الكلمات أن تفسرَّه، لقد كانت دون وعيٍ، فقط كان لسانها يهمس مردَّدا “حسبي الله ونعم الوكيل”.
بتنهدات تكاد تخترق صدرها، والدمعُ كالجمر يحرقُ مآقيها، والسؤال الذي يجول في خاطري كيف استشهد شهاب؟.
هنا سمعتُ بعض النساء يتهامسن..
استشهد شهاب عندما كان يلعب مع أصدقائه حول ذلك الراعي الذي كان يرعى أغنامه بجوار المنزل حيث اخترقت شظيَّة الصاروخ الذي سقط جسده ليفارق شهاب هذه الدَّنيا دون أي جرم.
لكن ما شدَّني بالفعل كلام أم محمد التي كانت تجلس بجانبي، وهي تقول لأم شهاب: ” كوني صابرةً، كوني قويَّة، ما زلت صغيرة والحياة لم تزل قائمة، وما شهاب إلا شتلة وردةً ستعطيك العطر ذات يوم”.
نطقت أم شهاب بكلمات تكاد تفهم: “كيف ولم يعد للحياة معنى، فالغالي قتل بغير ذنب، بالأمس كان يداعبني وضحكاته تملأ المنزل والآن دفن تحت التراب روحي معذبة والشوق يخترق صدري أين أنت يا حبيب قلبي”.
مضى الوقت وعبارات المواساة في أذني من هذه وتلك، شعرت بحزن عميق، وقلبي يخفق بشدة لتصوري أن أكون مكانها، لم أحتمل البقاء، وخرجت مسرعة، والدموع تنهال من عيني والخوف من تلك الحرب التي لم تنتهي، ولا أعلم ماذا ستجلب لنا من مأساة؟
أسير بذات الخطوات التي قدمت بها وأسأل نفسي كيف تتحمل صديقتي كل هذا الألم؟ ولا يسعني سوى أن القول ما أقسى الحياة؟.
(تغريد العبد الله)