بعد قرارات ترامب بوقف برنامج المساعدات الأمريكية عن شمال غرب سوريا.. وضع السكان يزداد سوءاً
بعد سبعٍ عجافٍ مرَّ بها الشعبُ السُّوريّ، وبعد كلِّ التضحياتِ وعمليات التهجَّير القسريَّة، وبعد كلِّ المقامرات والاتَّفاقيَّات، تأمَّلَ السُّوريُّون في الشَّمال أن يكون هناك بيئةٌ تحوي جميع أحرار سوريَّا الَّذين نجَوا من سياط نظام الأسد، بيئةٌ تتوَّفرُ فيها جميع متطلبات الحياة، خرج الرئيسُ الأمريكيُّ معلناً أن بلاده قررت وقف برنامج المساعدات عن شمال غربي سوريا، وذلك لقيام الإدارة الأمريكية بمراجعة ميزانية مخصصة “للدعم والاستقرار” في سوريا بملايين الدولارات.
وبعد أن هجَّر نصفُ الشعب السُّوري من الغوطةِ الشرقيَّة ومدن عدَّة بريف دمشق وحمص وحماة إلى مناطق بريف حلب وإدلب تأمَّلوا في عيشةٍ على الأقل لا ترفعُ فيها أعلام النظامِ ولا يرون فيها الخوذ والعسكر، لتأتي أمريكا وتصبُّ على النار زيَّتاً وتعلنُ انسحابها من سوريا وقطع الدَّعم عن المناطق المحرَّرة.
قرارٌ يضعُ ملايين المدنيَّين في الشَّمال وجهاً لوجه أمام الفقر والمعاناة من كلَّ النواحي “الطبيَّة والدراسيَّة والإغاثيَّة والإنسانيَّة”، دون أن يعترض أحدٌ على أقوى دولةٍ في العالم، لأنَّ المعنيَّين هم مدنيَّو الشَّمال السُّوري وليس أتباع النظام.
ومن خلال توَّقفِ الدعم عن المنظمات والمؤسَّسات في سوريا سيصبحُ المدنيَّون في الشمال في مساحةٍ جغرافيَّةٍ ضيَّقةٍ يسودها الفقرُ والمرضُ والبطالةُ وشللٌ كاملٌ في الحياة، إضافةً للقصفِ والعنفِ الَّذي يمارسه نظامُ الأسد وروسيا منذ سنين، وما زاد الطَّين بلةً هي تفشَّي عمليَّات الاغتيال وتفجير السيَّارات المفخَّخة والعبوَّات الناسفة.
لم يعد هناك أيُّ مخرجٍ من المعاناة وكأنَّ إدلب وريف حلب حقلُ تجاربٍ وطاولةٍ يتقامرُ عليها الأسيادُ والملوك لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الشخصيَّة، وكأنَّ سكَّان الشَّمال هم نبعٌ للإرهابِ وموطنٌ للتخريب لكي يقمعوا نفسياً وثقافيَّاً واقتصاديَّاً من قوَّات النظام وروسيا وأخيراً الولايات المتَّحدة الأمريكية زادت معاناة السوريين بوقفها لبرنامج المساعدات.
أمريكا التي لطالما تعاطفت مع القضيَّة السُّورية وأثبتَت من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أنَّها معادية لنظام الأسد والميليشيات الموالية له ولا سيما من خلال استهداف نقاطٍ ومطاراتٍ عسكريَّة تابعةٍ لقوَّات الأسد.
كلُّ تهديدات أمريكا ودموعها على الأبرياء الَّذين قتلوا أثناء الثورة تلاشت في ليلةٍ وضحاها بحججٍ واهيَّةٍ وهي أنَّ أمريكا قامت بواجبها على أكمل وجهٍ تَّجاه المدنيَّين في المناطق المحرَّرة بسوريا، إضافةً لإعادة النظر في الميزانيَّة الأمريكيَّة المخصَّصة “للدعم والاستقرار”.
من المحتمل أن يكون قرارُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا ووقف الدَّعم هو فتح الطريق أمام تركيا لاستلام زمام الأمور في ريفي إدلب وحلب وجعل المناطق المحرَّرة تابعةً للسلطات التركيَّة وخاصةً بعد أن قامت الأخيرة بنشر عدَّة نقاط مراقبةٍ في مناطق عدَّة بأرياف إدلب وحلب وحماة.
وبذلك يكون الشَّمال المحرر أشبه بالفريسة الَّتي التمَّ عليها الذئاب فكلُّ ذئبٍ يريدُ أن يأخذُ حصَّته منها دون أن تجد أحداً يقفُ معها ويُغيثها.
محمد العبيدو (كفرنبل، إدلب)