إدلب… النزوح الأكبر ولا مكان آمن
ما أن تنتهي موجة نزوح حتى تبدأ الأخرى، هكذا أصبح الحال في الشمال الغربي من سوريا (محافظة إدلب والأرياف المتصلة بها من حلب وحماة واللاذقية) والذي لم تبقى فيه منطقة آمنة فجميع المناطق تعتبر أهدافاً مشروعة في قاموس نظام الأسد وحليفته دولة الاحتلال الروسي.
وحتى مخيمات النازحين باتت في الأيام الأخيرة أهدافاً مشروعة لميليشيات نظام الأسد التي كثفت من استهدافها خلال اليومين الماضيين بالصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة ما أسفر عن وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
ويأتي الاستهداف للمخيمات القريبة من الحدود التركية بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية التي تقودها ميليشيات نظام الأسد بمختلف مسمياتها مدعومةً بطائرات الاحتلال الروسي على منطقة خفض التصعيد الرابعة المشمولة باتفاقية سوتشي بين كلٍ من تركيا وروسيا.
وخلال تلك العمليات استطاعت ميليشيات نظام الأسد من التوغل والسيطرة على عشرات المدن والبلدات امتداداً من معرة النعمان وليس انتهاءاً ببلدات ريف حلب الشمالي والتي تقع جميعها على أطراف الطريق الدولي “حلب-دمشق” المعروف ب M5.
وتسببت العمليات العسكرية بحملات نزوح هي الأكبر في تاريخ سوريا المعاصر إذ قدرت حصيلة النازحين خلال الفترة المتراوحة بين شهري تشرين الثاني من العام المنصرم وحتى تاريخ شباط الحالي ب ما يزيد عن 800 ألف نازح وبهذا تكون مدن وبلدات بأكملها أصبحت خاويةً على عروشها مهجورةً من أهلها.
محمد محلاج مدير منسقو استجابة سوريا يقول لفرش أونلاين: “إن ما تشهده مناطق الشمال الغربي من سوريا فاق التصور فما تشهده المنطقة من حملات نزوح متتابعة أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير، فخلال الأشهر الثلاثة الماضية سجلت حصيلة أكبر نزوح والتي تخطت 500 ألف نازح جلهم من مناطق معرة النعمان و سراقب وجبل الزاوية وجبل الأربعين وأريحا، وليس أخيراٌ بمناطق ريفي حلب الجنوبي والغربي”.
ويضيف “محلاج” قائلا إن أعداد المخيمات ارتفعت خلال الشهرين الماضيين إلى 1259 يقطنها قرابة المليون نازح بينها 384 مخيم عشوائي يقطنها 180 ألف نازح جلهم يعاني من ظروف إنسانية غاية في الصعوبة بالتزامن مع الأجواء العاصفة والماطرة التي تشهدها المناطق الشمالية من البلاد.
ولا تزال مئات العائلات النازحة بلا مأوى تقطن في العراء في ظل تدني درجات الحرارة بشكل كبير ووصولها قبل عدة أيام إلى خمس درجات مئوية تحت الصفر، وتسببت الأجواء الباردة في الشمال السوري بتسجيل عدد من حالات الوفاة حيث أحصى فريق منسقو الاستجابة تسعة حالات منهم من توفي بسبب الاستخدام الخاطئ لوسائل التدفئة.
خالد المحمد مدير إحدى المخيمات في الشمال السوري يقول لفرش أونلاين: “إن المخيم تم إنشائه قبل عدة أسابيع واليوم يتسع ل 750 عائلة معظمهم من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي الذين فروا من مدنهم وبلداتهم بسبب التصعيد العسكري الغير مسبوق”.
ويضيف “المحمد” قائلا إن المخيم يفتقر بشكل أساسي إلى عدة أمور واحتياجات منها دورات المياه والحمامات بالإضافة إلى وسائل التدفئة، إذ تفتقر غالبية العائلات إلى المدافئ، كما وتسببت الأجواء السيئة بمرض عدد من الأشخاص نتيجة البرودة وعدم وجود مدافئ في خيمهم.
ولا تنتهي معاناة النازحين بعدم وجود وسائل ومقومات الحياة الضرورية حيث بات معظمهم لا يعلم إلى أين يتجه فأيمنا اتجه يجد طائرات الاحتلال الروسي وصواريخ نظام الأسد تلاحقه من مكان لأخر وكأن الموت قد فرض عليهم بعد أن اتسعت رقعة المناطق المحررة ووصول ميليشيات نظام الأسد إلى مناطق قريبة من الحدود التركية.
ولا تعتبر موجات النزوح الحالية بالجديدة إذ تشهد منطقة خفض التصعيد موجات نزوح منذ أواخر العام 2018 أي بعد توقيع اتفاقية سوتشي المبرمة بين كلٍ من موسكو وأنقرة، ومنذ توقيعها لم تكف الدولتين عن اتهام بعضهما البعض بالمماطلة في تنفيذ كافة بنودها التي ماتزال حتى اليوم غامضةً ومبهمة.
وبالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية تواصل تركيا من إرسال أرتالها العسكرية إلى المنطقة بعد تمكن ميليشيات نظام الأسد من حصار عدد من نقاط المراقبة، وتأتي هذه التعزيزات بالتزامن مع التصريحات التركية عن مهلة لتلك الميليشيات بالانسحاب إلى ما بعد النقاط التركية قبل أواخر شباط /فبراير الحالي.
وتشهد منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ أواخر أبريل/نيسان الماضي عمليات عسكرية لميليشيات نظام الأسد مدعومةً بطائرات الاحتلال الروسي ما تسبب بنزوح أكثر من مليون ومئتي ألف نازح داخليا في ظل ظروف إنسانية هي الأصعب منذ بداية الثورة السورية.
إعداد حمزة العبدالله