عمالة الأطفال في سوريا.. ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع
ألقت الحرب الدائرة في سوريا منذ سنوات، بظلالها على الأطفال بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع انتشار ظاهرة عمالة الأطفال نتيجة ما خلفته من واقع مرير على عدد كبير منهم.
تنتشر هذه الظاهرة اليوم بشكل كبير وتعتبر المناطق الشمالية الغربية من سوريا واحدةً من المناطق التي تنتشر فيها عمالة الأطفال بشكل مخيف.
الحرب التي تسببت بفقدان حياة مئات الآلاف من أرباب الأسر أنشأت جيلاً كاملاً من الأطفال بلا معيل، فالآلاف منهم قد خسر أحد والديه سواء الأب أو الأم، وهو ما جعل هذه الظاهرة منتشرة في البلاد.
بالرغم من وجودها قبل انطلاق الثورة السورية إلا أنها اليوم تعتبر من أهم التحديات التي تهدد مستقبل مئات الآلاف من الأطفال الذين أجبرتهم الظروف المحيطة بهم إلى العمل من أجل كسب المال لمساعدة عائلاتهم، رغم المخاطر والأضرار الجسيمة التي تلحق بهم.
وتنتشر هذه الظاهرة في الشمال السوري بكثرة وتترتب عليها العديد من الصعوبات والتحديات التي تواجه الأطفال دون سن البلوغ، أينما اتجهت تجد مئات الأطفال يعملون في أعمال لا تناسب أعمارهم.
وفي حوار خاص مع الأستاذ “علاء الحمصي” مسؤول الموارد البشرية والإعلام في منظمة الحديث الإنسانية عن أسباب ومخاطر هذه الظاهرة على الأطفال وعائلاتهم:
ما هي أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في الشمال السوري والبلاد بشكل عام؟
“إن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير، هي الحرب المستمرة منذ سنوات طويلة بين أطراف النزاع، وهي ما أدت إلى فقدان مئات الآلاف من الأطفال لذويهم, الأمر الذي أدى إلى ازدياد عدد الأيتام والمشردين، ويجب ألا ننسى تبعات الحرب التي حرمت مئات الآلاف من حق التعليم الأمر الذي يعتبر من أهم الأسباب، كما أن النزوح وازدياد الكثافة السكانية في المنطقة قلل من فرص العمل للكثيرين, ما دفع العديد من العائلات لجعل أطفالهم يعملون لكسب المال.
ما هي النتائج السلبية لهذه الظاهرة على الأطفال سواء جسدية أم نفسية؟
“إن النتائج الكارثية لهذه الظاهرة على الأطفال ستؤدي بهم إلى ضياع أحلامهم ومستقبلهم، كما ستؤثر عليهم جسدياً ونفسياً، فالطفل الذي يعمل في إحدى الأعمال التي لا تناسب عمره ستوثر عليه جسدياً من خلال التعنيف الذي قد يجده من رب العمل في حال خطأه وعدم مقدرته على تنفيذ ما يطلب منه خلال العمل, بالتالي سيتعرض للضرب والشتم الأمر الذي يؤدي إلى سوء حالته النفسية وهو ما قد يدفعه للتورط بأعمال غير قانونية”.
“وفي عام 2015 انتشرت ظاهرة شم الشعلة من قبل الأطفال في شوارع العاصمة دمشق، ولعل النتائج السلبية ستكون عندما يكبر أولئك الأطفال ليجدوا أنفسهم جاهلين غير متعلمين”.
هل هناك إحصائية دقيقة لعمالة الأطفال في سوريا؟
“في الحقيقة لا يوجد إحصائية دقيقة لهذه الظاهرة في البلاد، فآخر الإحصائيات كانت 230 ألف طفل في سوريا ودول الجوار خصوصاً بعد لجوء الملايين من المدنيين إلى عدة دول مجاورة لبلدهم هرباً من بطش نظام الأسد وروسيا، وعلى سبيل المثال تركيا التي يتواجد فيها 3 مليون لاجئ نجد الآلاف من الأطفال دون سن البلوغ يعملون في أوساط لا تناسبهم”.
كيف ساهمت منظمة الحديث الإنسانية في التعامل والحد من ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا ودول الجوار؟
“إن المنظمة ومن خلال الدعم والتمويل الذي تتلقاه من الجهات المانحة تعمل على الحد من هذه الظاهرة من خلال المشاريع التي تنفذها في الشمال السوري”.
“ومن هذه المشاريع افتتاح عدة مدارس للمرحلتين الابتدائية والإعدادية في المشاريع السكنية التابعة للمنظمة لاستقطاب أكبر عدد من الأطفال المتخلفين عن الدراسة، كما عملت على تشييد سكن للأيتام لمن هم فوق ال 12 عاما لإيوائهم وقامت بافتتاح العديد من المدارس المهنية لتعليمهم الأمور المهنية والفنية كتمديد شبكات الكهرباء وإصلاح الأدوات والتجهيزات المنزلية، وتهتم المنظمة بتعليمهم أساسيات استخدام الحاسوب”.
ما هي أنواع العمالة المنتشرة حالياً؟
– بعد بحث طويل ومعمق تبين أن العمالة منتشرة بكثرة في سوريا ولعل أبرز أنواعها يتحدد بثلاثة
1_ الأعمال الصعبة التي لا تناسب الأطفال كصيانة السيارات والحدادة وأعمال الباطون والإنشاءات
2_ بيع الأطعمة المنتشرة بالطرقات
3_ جمع البلاستيك والأدوات المنزلية القديمة من حاويات القمامة.
6_ هل ساهمت حملات التوعية التي تنفذها المنظمات الإنسانية في توعية المجتمع المدني حول خطورة هذه الظاهرة؟
– للآسف لا نستطيع القول إن حملات التوعية نجحت في تغيير تفكير المجتمع حول هذه الظاهرة، وعلى سبيل المثال نضرب مثال، “عائلة نازحة الأب غير قادر على العمل ومصاريف النزوح كثيرة ومتعبة له، ففي هذه الحالة سيضطر الأب لإرسال أطفاله للعمل من أجل مساعدته في تدبير حاجيات المنزل من غذاء وماء وكهرباء ودواء”.
7_ برأيكم، ما هي الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة؟
– إن الحلول الأساسية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة هي التكاتف بين جميع المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية المحلية لتأمين حياة هادئة وآمنة لآلاف العائلات التي تضطر لإرسال الأطفال للعمل، ويمكن الحل من خلال تأمين المساعدات المالية والغذائية للعائلات المتضررة وافتتاح المدارس لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المنقطعين عن الدراسة، وافتتاح مراكز خاصة لإعادة تأهيل الأطفال لإعادة دمجهم في المدارس والقيام بحملات توعية دورية للأسر حول مخاطر العمالة على أولادهم في المستقبل.
8_ برأيكم، كيف يمكن حماية الأطفال؟
– الضامن الوحيد هو التعليم وإعادة استقطاب المنقطعين في المدارس واستحداث مراكز خاصة للتأهيل.
تسببت الحرب السورية بحرمان أكثر من 2000000، طفل من حق التعليم خلال السنوات الأخيرة بعد تدمير مئات المدارس ونزوح ملايين المدنيين داخلياً وخارجياً الأمر الذي جعل عمالة الأطفال من أحد أبرز الصعوبات التي تهدد بضياع مستقبل مئات الآلاف من الأطفال وجعلهم أشخاص غير مأثرين ومنتجين في قادم الأيام.
إعداد: عبدالرزاق جعار