بعد أن فقدتُ ولدي لم أعد أطيقُ البقاءَ في البلدة
منذُ عدَّةِ سنواتٍ كنَّا نقيمُ في مدينةٍ بعيدةٍ عن بلدتنا، وذلك بسبب عمل زوجي الَّذي يُحتَّمُ عليه الإقامة هناك، كانت حالتُنا لا بأس بها من جميع النواحي.
بعد قيام الثورةِ ضدَّ بطش نظامِ الأسد اضطر زوجي للتخلَّي عن عمله وعدنا إلى بلدتنا لنسكنَ في منزلٍ ريفيٍ متواضع، وبعد سنة تقريباً أصبحت الثورة مسلحة وبعد مظاهر القمع والقتل والاعتقال التي اتبعها جنود النظام استطاع الثوار أن يحرروا بعضاً من القرى والبلدات من قوات الجيش الظالم.
فرحنا بهذا التحرير فرحاً عظيماً ولكن الأمر المؤسف فرحنا ما دام طويلاً، حيث بدأ الطيران الحربي بقصف جميع القرى والبلدات المحررة، وأصبح الثوار يعملون بشكل منظم وأصبحوا يخرجون إلى الجبهات للدفاع عن أراضيهم المحررة.
كان ولدي الكبير في مقدمة من كانوا يخرجون إلى الجبهات، ورغم أني كنت دائماً اعترض طريقه وأطلب منه عدم الخروج كان مقتنعاً بما يقوم به ويقول لي دائماً:” إذا نحن لم نخرج لندافع عن أرضنا وعرضنا فمن سوف يخرج، ادع الله لي يا أمي أن أنتصر أو استشهد”.
وكنت عندما أسمع منه هذا الكلام أجهش بالبكاء وأتركه يمضي بعد أن أُلقي عليه نظرة الموَّدع.
في أحد الأيام استيقظت على صوت مظاهرةٍ كبيرةٍ وقد عجبتُ لهذا فلم يكن اليوم يوم الجمعة المخصص للمظاهرات، وكلما أصغيت لها سمعتها تقترب من بيتي حتى سمعت صوت أحدهم يقول:” لا إله إلاّ الله والشهيد حبيب الله”.
هنا قفزت من فراشي ولا أدري كيف أنني أحسست أن ولدي قد نال الشهادة كما كان يحلم، فخرجت لأتأكد من الخبر الذي صعقني بالرغم من أنني كنت دائماً مستعدة له.
بعد استشهاد ولدي لم نعد نطيق أنا وزوجي البقاء في البلدة فخرجنا باتجاه الحدود واتَّخذنا خيمةً نقيمُ فيها، وما زلنا نقطنها وكلَّنا أملٌ بالنصرِ وانتهاء الحربِ وأن نعود إلى ديارنا آمنين.