نور احترفت الخياطة بعد اعتقال زوجها
في صيف عام 2019 وبسبب هجوم نظام بشار الأسد وحليفته روسيا على إدلب، نزحت نور (40 عاماً) من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم قريب من بلدة سرمدا في ريف إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية.
وتعمل نور خياطة ضمن خيمتها، وهي أم لخمسة أولاد، وتكنى بأم محمد، وزوجها معتقل لدى نظام بشار الأسد منذ ثماني سنوات بسبب مشاركته في الثورة السورية، وتتحدث عن رحلة نزوحها ومواصلتها العمل في الخياطة قائلة:
“عندما بدأت الحملة العسكرية على بلدتنا نزحت إلى مخيم أطمة، بقيت مدة ١٥ يوماً ثم عدت إلى البلدة، وبعد عودتي بأسبوع تم قصف منزلنا، فقد أصبح ركاماً وأصبحت ماكينة الخياطة غير صالحة للخياطة، وهي ماكينة كنت قد حصلت عليها من منظمة إحسان بإطلاق مشاريع صغيرة، ثم قررت النزوح إلى مخيم سرمدا هذا”.
وتتابع: “حصلت على خيمة، غير أن وضعي المعيشي أصبح صعباً جداً، ولكن لم أستسلم للواقع المر، بل حاولت أن أكافح وأكون أقوى من المصاعب التي تواجهنا، فقررت العودة إلى الخياطة، والحمد لله قدمت لي المنظمة نفسها ماكينة جديدة ومعها حباكة من أجل حبك الثياب وعدة للخياطة، لأتمكن من استئناف العمل من جديد من داخل هذه الخيمة البسيطة، والحمد لله بدأ وضعنا يتحسن شيئاً فشئياً وبدأت أستطيع تلبية احتياجات أولادي”.
علا صوت الماكينة، وبدت نور وكأنها تريد أن تنتهي من خياطة ثوب، وبعد أن انتهت قالت: “الحمد لله الآن أصبح هذا الثوب جاهزاً وأجرته ألف ليرة سورية”.
وأضافت: “أقوم أيضاً بإعادة تدوير الألبسة المستعملة وتصغير الملابس، أجرة الثوب الذي أقوم بإعادة تدويره ١٠٠ ليرة سورية، والتقصير ٢٠٠ ليرة، أما خياطة فستان جديد إذا كان لطفلة ٥٠٠ ليرة، والفستان الكبير 1000 ليرة عادة، وهذا السعر يناسبني ويناسب الزبائن”.
وأثناء حديثنا بدأت امرأة تنادي نور، لتجيبها: “تفضلي أهلاً وسهلاً أم عبدو”، لتقول أم عبدو: “هل أنهيت خياطة الفستان؟”، لتجيبها نور: “نعم وتفضلي قيسيه”.
ثم جلست أم عبدو معنا وشاركتنا الحديث ووصفت نور بأنها “امرأة مجدة وصبورة، تقوم بتربية أولادها تربية جيدة، وأنا أفضل خياطة الثياب لي ولبناتي عندها لأن شغلها جميل ومتقن”.
صوت فتاة تنادي نور، وبعد أن دخلت طلبت منها أن تفصل لها القماش وطلبت منها أن تضع كل مهارتها، ثم قالت: “أنا عندما أريد تفصيل فستان آتي إلى أم محمد، فهي تحبك الثياب بطريقة رائعة تجعل الثوب فائق الجمال، هي موهوبة في الخياطة، ما شاء الله كان”.
ثم دخلت فتاة ذات عينين زرقاوين وشعر أصفر متدل ٍ على الكتفين وقالت: “كيف حالك يا خالتي، أمي تسلم عليك وتقول لك: أعطيني فللاً زهريات اللون لتضعها على الثوب”، لتجيبها نور: “تكرم عيونك وعيون أمك يا حبيبتي”.
وبعد أن أعطت نور الفتاة طلبها خرجت الفتاة وهي تقول: “شكراً خالتي، الآن سيصبح ثوبي حلواً جداً”.
كما دخلت امرأة في السبعين من عمرها، وبعد أن ألقت التحية جلست إلى جانب المدفأة لتقول لها نور: “أهلاً وسهلاً مرت عمي، إن شاء الله صرتي أحسن”، لتجيبها: “الحمد لله صرت أحسن”.
ثم شاركتنا هذه المرأة الحديث ووصفت نور بأنها “امرأة مجدة وصبورة، بعد اعتقال ولدي قامت على تربية أحفادي تربية صالحة، وهي تعمل بعرق جبينها لتؤمن لهم مستقبلهم دون أن تحتاج الناس، وأتمنى لها دوام الصحة والعافية”.
وتتذكر نور يوم اعتقال زوجها وتقول: “خيم الحزن والمأساة على منزلنا بعد اعتقال زوجي، فقد كان هو رفيق دربي في هذه الحياة، بل كان كل شيء في حياتي، غيابه كسر ظهري، لكني لم أقف موقف المتفرجة، بدأت أفكر ماذا سوف أعمل كي أعيل أسرتي وخطرت على بالي الخياطة، خاصة أن لدي خبرة فيها، فبدأت الخياطة في البلدة، وكان إقبال النساء جيداً”.
نور تحب مهنتها وتقول: “منذ صغري وأنا أحب الخياطة، وكنت دائماً أقول لزوجي أريد أن أخيط للنساء لمساعدته في مصروف المنزل وأيضاً لأنني أحب هذه المهنة منذ صغري، لكنه كان دائماً يقول لي: أعتن ِ بالأولاد فقط، وهذه أكبر مساعدة لي”.
وتسعى نور إلى تطوير عملها في هذه الظروف الصعبة، وتقول: “أتمنى من الله أن يفك أسر زوجي وأسر جميع المعتقلين، وأن تنعم سوريا بالأمن والاستقرار والخلاص من حكم آل الأسد، وأن نعود إلى بلدتي الحبيبة حاس”.
إعداد: فريق “فرش أونلاين”