أم خلدون تعتني بالنحل وتنتج العسل
تخرج أم خلدون صباح كل يوم لتفقد خلايا النحل، وتمعن النظر في كل خلية على حدة لتتأكد فيما إذا كان الهواء قد حرك إحداها وخرب جادر النايلون الذي استخدمته في تغطيتها لإبعاد قطرات المطر عن النحل.
ربا (٢٢ عاماً) وتكنى بأم خلدون، أم لطفلتين من قرية الجيد من سهل الغاب بريف حماه، نزحت من قريتها مع أسرتها بعد أن هاجمتها قوات نظام الأسد وسيطرت عليها عام ٢٠١٢، وانتهى بها المطاف في قرية البلاط بريف إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية، وهي تعمل في تربية النحل وإنتاج العسل، وتحدثنا عن ذلك قائلة:
“تزوجت خلال فترة النزوح، وكان زوجي يملك خليتين من النحل ومع الأيام تكاثرت وأصبحت تسع خلايا، كنت أخاف الاقتراب منها خوفاً من لسعات النحل، ولكن مع الأيام بدأت أعتاد وجودها، وبدأت مساعدة زوجي، فالنحل يحتاج لعناية وجهد ومراقبة، في كل صباح أقوم بوضع الماء بالقرب من الخلايا وتنظيف ما حولها، ومراقبتها خوفاً من أن تذهب ولا تعود”.
وتضيف: “الآن نحن في فصل الربيع ويسمى فصل الفيض وهو فصل تفريخ النحل، ويحتاج النحل للرحيق بشكل كبير، لذلك نستعين بقليل من الماء والسكر لتأمين غذائه بشكل كامل، بالإضافة لزهر الربيع المنتشر في المنطقة، وبعد شهر نبدأ بالبحث عن مناطق تتواجد فيها مواسم الأزهار مثل موسم المحلب والكرز، نأخذه إلى تلك المناطق لمدة شهرين، ونقوم بعدها بقطف أول قطفة عسل، وبعد ذلك يبدأ موسم الصيف وهو موسم الشوكيات وهو موسم جيد للعسل، وبعد انتهاء الموسم يأتي موسم الجيجان وهو نبات يزهر عقب حصاد الكمون والحنطة، وبذلك نقطف ثلاث قطفات عسل خلال السنة”.
وتشرح أم خلدون كيف تقوم بجمع العسل قائلة: “يوجد لدينا نوعان من الخلايا، وينتجان نوعين من العسل، وهي خلايا الزمر ومنتوجها العسل بشهده، أما الخلايا الفنية فتنتج عسل يحتاج إلى فرازة تعمل على فرزه ويباع مصفى في مطربانات، وأنا عليّ تصفية العسل بعد تفريزه من الشمع بآلة خاصة بمساعدة زوجي، وأقوم بتنظيف الخلية وإعادتها من جديد، فنحن نعمل بجد للحصول على عسل ممتاز وطبيعي ونقوم ببيعه حسب الطلب للأقارب والمعارف، والحمد لله نعيش على ما نجنيه من ثمن العسل”.
وتتابع: “ومع بداية فصل الشتاء يخف عدد النحل في الخلايا، فعدد إطارات الخلية عشرة، ويحتاج النحل سبعة إطارات من الشمع، والثلاثة الباقية أقوم بغسلها وحفظها في خلية نظيفة وأغلفها بالنايلون، وأتأكد من عدم دخول الهواء إليها بعد وضع حبة غاز للحفاظ على الشمع من اقتراب أي حشرة وأكلها، ومع بداية فصل الربيع نقوم بإعادة الشمع إلى الخلايا في موسم التفريخ”.
ويشاركنا الحديث أبو خلدون (٢٨ عاماً) قائلاً: “فتح الخلية يومياً خطأ كبير فنحن نفتحها كل أسبوع مرة، وبشرط أن يكون الجو مستقراً ودافئاً ولا يوجد هواء أو أمطار، ونتفقد الملكة ونتأكد من أنها تقوم بوضع البيوض بكثرة، ونقوم بترتيب الإطارات بشكل صحيح، فيجب وضع الحواضن في الوسط وعلى الأطراف إطارات العسل، وفي هذا الموسم يهمنا التفريخ أكثر من العسل والاعتناء بوسط الخلية، كما نقوم بفحص النحل خوفاً من إصابته بإحدى الأمراض مثل تكلس الحاضنة، ونعمل على مداواته فوراً”.
ويشكو أبو خلدون من تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار قائلاً: “الخلية تحتاج لشمع وأدوية، والشمع بلغ سعره تسعة آلاف ليرة سورية، أي ما يعادل ثمانية دولارات، بينما العام الماضي ٣٥٠٠ ليرة سورية، فتكلفة الخلية بلغ سعرها مع إطاراتها ٢٨ دولاراً، وزاد ذلك ارتفاع سعر المحروقات فهي تحتاج إلى تنقيل من مكان إلى آخر وهذا أصبح مكلفاً جداً، كما نجد صعوبة كبيرة في تأمين الأدوية، فالخلية تنتج ثمانية كيلوات من العسل، ويبلغ ثمن الكيلو حالياً ستة آلاف ليرة سورية، أي ما يعادل خمسة دولارات، فالعمل به أصبح خسارة على عكس سابقاً”.
لتقول الحاجة أم وسيم (٥٥ عاماً) والدة أبي خلدون وهي تتحسر وتسترجع بذاكرتها أياماً تحلم بعودتها:
“والله بعد ما راحت أراضينا لم يبق لدينا سوى هذه الخيم وخلايا النحل، فولدي وزوجته يعملون بجد ويعتنون بها لإنتاج عسل جيد، قبل نزوحنا كنا نأخذ رخصاً، كل رخصة ٢٥ دونماً، ونزرعها موسم الشتاء حنطة وبطاطا وبازلاء، وفي الصيف نزرع القطن والدخان والخيار والكوسا وجميع أشكال الخضروات، وكان الخير كثيراً، إلى أن دخل جيش بشار الأسد واضطررنا للنزوح وترك كل ما نملك”.
حينها دخلت امرأة (٥٠ عاماً) طويلة القامة تحمل حفيدها بين ذراعيها وتكنى بأم محمد، ألقت التحية وقالت: “أم خلدون أريد كيلو عسل، فالطبيب وصفه لي مع أعشاب طبية”، أجابتها أم خلدون مبتسمة: “تكرمي خالتي أم محمد، أول قطفة عسل رح أحسب حسابك”.
وختمت أم خلدون حديثها بالقول: “العمل شيء جميل ويجب على كل امرأة قادرة أن تساعد زوجها وتكاتفه لتخطي هذه الأزمة، وأتمنى العودة إلى قريتي وأن يحل السلام وتعود جميع العائلات المهجرة إلى منازلها”.
إعداد فريق “فرش أونلاين”