ميسم تتحدى الصعاب وتعمل في مكتب لتمكين المرأة
كغيرها من النساء السوريات اللواتي ذقن ويلات الحرب، ميسم قضى زوجها شهيداً في إحدى المعارك التي كان يدافع فيها عن أرضه وأهله تاركاً خلفه امرأة في ربيع العمر وطفلتين لم تكتمل ذاكرتهما حينها فلا تعرفان حتى صورة أبيهما.
ميسم الخطيب تبلغ من العمر 21 عاماً، أم لطفلتين، من بلدة مارع بريف حلب، تعمل ضمن مكتب تمكين المرأة ببلدتها، لبسها اسم أرملة وقذفها في وجه الحياة لتبدأ بتجربة مريرة مع الزمن.
تشرح لنا ميسم عن حياتها بعد فقدانها زوجها قائلة: “لم أتلقَ أي نوع من المساعدات التي كان يفترض أن تقدم لي على أكمل وجه، بل تم حرماني من حقوقي وحقوق طفلتي وحتى من ميراث زوجي”.
لم تكن مصيبتها بفقدان زوجها أوجع من مصيبتها بإعادة نفسها للحياة في المجتمع الشرقي الذكوري، والذي بدوره فرض عليها قيوداً جديدة، ومن العجب أن هذه القيود لا تفرض على الفتاة المراهقة وكأن هذا الثوب الذي ألبسها إياه القدر هو ثوب عار، وهو في الحقيقة ثوب شرف وعز، فذلك الرجل الذي ضحى بنفسه من أجل وطنه كان بالأحرى على وطنه أن يقدس ما تركه وراءه.
تتابع ميسم: “قبعت في بيت أهلي مع طفلتي أكثر من عامين أنتظر أن يطعمني والدي الذي كان هو الآخر يعاني من فقر الحال، وبدأ الظلام يسود حياتي لأذوق مرارة الأيام ونظرة المجتمع، لم أكن أستطيع الخروج من بيت أهلي إلا بوجود أحد من إخوتي وكأني وصمة عار في جبين هذا المجتمع البالي”.
وفي ظل تسارع أحداث الحرب وتعرض قريتها للقصف، قذفت ميسم في وجه الحياة مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت بمفردها فقررت الذهاب إلى تركيا لتعيش في منازل أعدت لأسر الشهداء، وتقول:
“بعد إقامتي في المخيم لمست طعم الحياة بعيداً عن أجواء المجتمع، ولكن لكل شيء نهاية، فبعد عام عشته من راحة البال قررت أن أعود إلى سوريا في زيارة العيد المسموح بها، وخلال زيارتي تم منعي من العودة إلى تركيا لأعود إلى نقطة البداية، هنا قررت الانتفاض بوجه هذا المجتمع، والعودة إلى إكمال حلمي بأن أكمل تعليمي، وذلك كان بدعم أخي المقرب الذي كان بمثابة صديق وأخ وسند، فقررت التسجيل للحصول على شهادة الباكالوريا، وقبل الامتحانات بشهرين استشهد أخي هذا”.
كان استشهاد أخيها هذا بمثابة ضربة قصمت ظهرها وتقول: “أصبحت أفتقد شهيتي للحياة بشكل مطلق، كالمريض الذي مات سريرياً ولكنه على قيد الحياة، حتى أنني فقدت رغبتي بتحقيق حلمي، وقبل فترة قصيرة من الامتحانات كان والدي يراني كيف فقدت نفسي في الحياة واستطاع أن يقنعني بأن أكمل ما بدأته وأقدم امتحاني”.
شاركنا الحديث والد ميسم: “ميسم ابنتي تعرضت لكثير من الصعوبات التي واجهتها في الحياة، حتى أنها وصلت إلى مرحلة الانهيار وعدم شعورها بنفسها، لكن الحمد لله هي اليوم تحدت كل هذا وتسعى دائماً لتطوير نفسها أكثر، وافتخر بابنتي وأتمنى لها التوفيق في حياتها”.
استطاعت ميسم الحصول على شهادة الباكالوريا لتفتح لها أفق المستقبل الجديد وتقول: “بعد حصولي على شهادة البكالوريا سجلت في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، وانطلقت أبحث عن فرصة عمل لأعتمد على نفسي في كسب المال لإكمال دراستي وتأمين حياة كريمة لي ولطفلتي، وبالفعل استطعت الحصول على وظيفة في مكتب تمكين المرأة في بلدتي لأخطو خطوة جديدة نحو حلمي الذي طالما كنت أحلم به”.
علا إحدى صديقات ميسم وزميلتها في العمل تصفها قائلة: “ميسم من أعز صديقاتي، إنسانة حنونة وطيبة القلب وكريمة جداً بأخلاقها ومشاعرها، تحب الخير وتحب أن تساعد أي شخص يحتاجها، اجتماعية جداً ولديها أسلوب رائع في الإقناع، ومحبة لعملها ونشيطة جداً، توصف بكل الكلمات الحلوة واللائقة، هي أختي التي لم تلدها أمي”.
مرام إحدى صديقاتها: “رغم الظروف التي مرت بها كانت شخصيتها طموحة قوية، لم تيأس من الظروف التي واجهتها، بل حاولت تغيير حياتها بشكل تام، تابعت دراستها، حاولت تنمية قدراتها وعملت في دعم المرأة”.
لم تقف هنا طموحات ميسم فهي لا تزال تسعى لتطور نفسها وتثبت للجميع جدارتها على قيادة المرحلة وتقول: “قمت أنا وبعض النساء في البلدة بتشكيل فريق تطوعي للعمل الإنساني، وقد رشحني الجميع لأكون قائدة الفريق لثقة الجميع بقدرتي على قيادة الموقف”.
ميسم هي الآن في السنة الثانية في جامعتها بتقدير جيد، هي تعمل وتكمل دراستها في الوقت نفسه دون الحاجة للناس لتربي طفلتيها بكرامة، وقد حققت نجاحاً كبيراً في عملها، وتأمل بتحرير سوريا من نظام بشار الأسد وعودة الأمن والاستقرار إليها.
إعداد: محمد عمار الموسى