رحل كل ما هو جميل في حياتي
وفاء المحمد (كفرنبل-ادلب)
رزقني الله بزوج مثالي خلوق وحنون وعطوف، ورزقت منه بخمسة أولادٍ ثلاثةُ صبيانٍ وابنتين، عشنا في منزلٍ كبيرٍ وجميلٍ مكتمل الاثاث، كم كنت سعيدة بذلك، كنت أعيش حياة عائلية ملؤها السعادة، ولم يكن ينقصني شيء في هذه الدنيا، إلى أن قامت الثورة في بلدي، وعمّ صداها أرجاء الوطن، انخرط زوجي في الحراك الثوري منذ البداية، وبحكم مهنته كممرض عمل في المشافي الميدانية لمعالجة الجرحى والمصابين، فقد واجه النظام المجرم المتظاهرين السلميين الهاتفين للحرية والحاملين لأغصان الزيتون بإمطارهم بالرصاص الحي، كان الخوف على زوجي من أن يعتقله جنود النظام لايفارقني، ففي ذلك الوقت كانت حواجز النظام تملأ أرجاء مدينتنا، إلى أن تمكن الثوار من تحرير المدينة من هذه العصابة الظالمة.
ظننا أن الحياة ستبدأ من جديد بعد أن تخلصنا من الغاصبين الظلام، لم يكن ذلك المستبد ليدعنا نعيش ونهنأ، فأخذ يصب جام غضبه على المدنيين العزل ويرتكب المجازر هنا وهناك، ولم يكتف بذلك بل أراد أيضاً أن يحرمنا من المشافي والأفران وحتى المدارس، فأصبح يستهدف المشافي الميدانية والمنشآت الطبية، والأفران ليحرم الناس من لقمة العيش، حتى الأطفال لم يسلموا من نيران حقدهم التي طالت المدارس أيضاً.
وبحكم مهنة زوجي كممرض كان يعمل في إحدى المشافي الميدانية، لإنقاذ أرواح الناس، دائماً كنت أحاول إقناعه بترك عمله فقد أصبح فيه خطورة على حياته، لكنه كان يرفض ذلك معللاً بقوله: “إذا تركت عملي أنا وأمثالي، من سيبقى يعمل على إسعاف المصابين وعلاجهم، سأستمر في عملي أو أموت دونه”.
وفي أحد الأيام ذهب كعادته إلى عمله، فبعد أن غادر زوجي ببضع ساعات استهدف الطيران الغادر المشفى الذي يعمل فيه، أخبروني أن المشفى قد تهدم على من بداخله، قلت لهم سيعود زوجي فهو قوي ولا يخاف الموت سيعود إليّ..، وسط شلالات الدموع المنهمرة جلست انتظر عودته، أنتظر من يأتيني بخبر عنه، حتى وصلني مالم أكن أتوقع..
استشهد زوجي وسندي في هذه الدنيا وتركني أصارع هذه الحياة وحيدة مع أولادي الخمسة، يجب أن أكون أقوى، فأولادي لم يبق لهم معيل سواي، كفكفت دموعي وخبأت أحزاني ووضعتها داخل قلبي، فعلي الاستمرار من أجل أولادي، حولت غرفة من غرف منزلي إلى محل صغير لبيع الملابس للنساء والأطفال، كنت أستطيع تأمين حاجيات أولادي والعيش دون الحاجة الى الناس.
لم يكتف هذا النظام المجرم من دماء الناس العزّل، مازال القصفُ مستمراً والموت يخيم على المدينة، لكن لابد للحياة أن تستمر، ففي أحد الأيام وبينما كنا نجلس في منزلنا، وإذ بصوت طائرة غادرة علا في السماء، أخذت الأولاد واختبأنا داخل غرفة في المنزل، إلاّ ولد من أولادي كان خارج المنزل، سقط صاروخ الطائرة بجانب منزلنا وتهدم قسم منه، صرخت ولدي.. أين ولدي.. أحضروا إليّ ولدي، خرجت وبحثت عنه بين الركام، لكني لم أجده..
لحق بوالده ليترك في داخلي جرح ينزف مدى الحياة، تحطمت بقايا الأمل في حياتي، فقدت زوجي وولدي وتهدّم منزلي، رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء.