ليلة مظلمة في كفرنبل تنقشع كاشفةً بقايا جثمان طفل مفقود
خرج الطّفل “فارس عباس علي الشيخ” ليؤمِّن أغراضاً لأهله، وما هي إلا لحظات إلَّا وتهاوت صواريخ غدرٍ من طائرة للعدوان الروسي، سقطت في مبنىً سكني وسط مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، النيران اشتعلت والدخان قد غطَّى المكان، النَّاس يتسابقون إلى مكان الاستهداف والصَّرخات تعلو فوق صوت الضوضاء الَّتي أحدثها الانفجار.
فرق الدِّفاع المدني توجَّهت إلى المكان والمدنيون سارعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بدأوا بانتشال جثامين من قضوا تحت الأنقاض، وأسعفوا من أصيب لعلَّه يمضي بعضاً من حياته الباقية، وآثار الصدمة منتشرة في المدينة وكل يتفقَّدُ ذويه.
اختفى فارس بعد ذلك الانفجار ولم يدرِ أحدٌ بمصيره الغامض، فالمسعفون نشروا جثامين الشهداء والمصابين في مشافِ المنطقة لكثرة الإصابات وضيق الوقت، لتكتمل الليلة شديدة الظُّلمة بعد استهداف طائرة غدر روسيّة ايضاً لمشفى معرة النعمان الوطني، وهناك كانت حكاية أخرى.
سرعان ما انتشرت صور فارس على مواقع التَّواصل الاجتماعي لعلَّ أحداً شاهده أو سمع عنه شيءً، فيزرع أملاً قد غاب عن والديه ويضع بصيصاً من الضوء في قلوب ذويه المسودَّة حرقةً على فارس.
تارةً يأتي خبر بأنه في أحد مشافي مدينة إدلب، وتارة أخرى يأتي خبر مفاده أنَّه بصحَّة جيِّدة في أحد منازل مدينة معرَّة النعمان، وأمَّا ذويه يسارعون لاستبيان الأمر والتَّحقق من صحَّته، كـ “الغريق المتعلِّق بقشة”.
مضت تلك الليلة كأنَّ الزَّمن قد توقَّف وعقارب الساعة تكاد لا تسير، وقلوب أهله تتحرَّق شوقاً لسماع خبر يفرِّج الهمَّ ويفضي الكربة، لتشرق شمس الصباح بعد عناء طويل ويجد أحد الباحثين بين الرُّكام قطعة من جسده الغض لتعكس منظراً مهولاً قد حدث، لتنقطع الأماني ويختفي الرجاء، وتكون الصاعقة قد وقعت على رؤوس ذويه.
فارس شهيد من بين تسعة شهداء قضوا في قصف مدينة كفرنبل في ليلة حالكة الظُّلمة، هي واحدة من بين قصص عدَّة ترافقت في نفس المكان والزمان، وتزامنت مع قصص حدثت في معظم مدن وأرياف إدلب.
ليسوا مجرَّد أرقام تشاهد على شريط إخباري، ولا مواثيق تمسك لحين جعلها ورقة ضغط، ولا استبيان لوكالات الأنباء لعلَّها تجد السَّبق الصحفي في توثيقها “لقتلى” قضوا تحت طائرات خلال عام أو شهر أو يوم، فرجالنا ونساؤنا شهداء، وأطفالنا طيور في الجنة، وقاتلهم سترافقه لعنة جرمه إلى يوم الحساب الأكبر.
محمد السطيف (كفرنبل، ادلب)