فقدتُ الأمل من خروجهِ من معتقلاتِ الأسد
اسمي مريم أبلغُ خمسةً وثلاثينَ عاماً من العمرِ، تزوجتُ في السابعةَ عشرَ من عمري، كان زوجي يعمل في احدى شركات الماء في إدلب، وبراتبهِ المتواضع استطاع أن يبني منزلاً صغيراً نسكنُ بهِ مع أطفالنا، ورزقنا الله بثلاثِ بناتٍ كُنَّ زينةً لحياتنا المتواضعة.
وبعدَ اندلاع الثورة السورية، وتبنيها والعمل بها في جميعِ أنحاء سوريا، وبعدَ دخولِ عصاباتِ الأسد الغاشمة إلى معظمِ مناطقِ ومدنِ إدلب، كونها محافظةً تشكلُ خطراً على نظامِ الأسد منذ زمنٍ بعيد، باتَ القلقُ والخوفُ يسيطرُ على تفكيري من أن يحلَّ مكروهٌ بزوجي على أحدِ الحواجز، كثيرةُ الليالي التي سهرتُ فيها أدعو اللهَ أن يُعِيدَ زوجي بخيرٍ وسلامة.
تمركزَ بجانبِ شركةِ المياه التي كانَ يعملُ بهِ زوجي حاجزٌ يمتلئ بعناصرِ وشبيحةِ الأسد، الأمرُ الذي كادَ أن يفقدني عقلي من شدَّةِ الخوف من أذى الجيشِ وتسلطهم على المدنيين، كانَ من المستحيلِ أن نعيش بدون المعاشِ الذي يأخذهُ زوجي من الشركة، ومن المستحيلِ نستطيعَ التخلصَ من تسلطِ حاجزِ النظام على الموظفينَ والمدنيين.
مضت فترةٌ من الزمن وزوجي يذهبُ إلى عملهِ ويعود بشكلٍ طبيعي، وفي كلِّ مرةٍ يذهب بها كانَ خوفي يزيد فيها أكثرَ من المرةِ السابقة، حتى جاءَ يومٌ وقف زوجي على الحاجزِ ليعطيهم الهوية ويتنظر أن يرجعوها له، وإذا بأحد العساكرِ يناديهِ ويعتقلهُ بدونِ تهمةٍ أو ذنب، وفي الموعدِ المعتاد الذي يعودُ فيهِ زوجي من العمل، عادَ صديقهُ بدلاً منه ليخبرني بالمصيبة التي حلَّت أنَّ زوجي بات من المعتقلين.
حلتَ علينا الفاجعة والتي كنتُ أعلمُ أنها ستأتي عاجلاً أو آجلاً، لم أستطع فعل شيءٍ إلا البكاءَ واحتضانِ بناتي، لم أكن أملكُ حيلةٍ تجاهَ الأمر.
وبعد فترةٍ من الوقتِ بدأ والدُ زوجي يبحثُ عنهُ، ويقدمُ الرشاوى للضابط الفلاني ويقدمُ المالَ والوساطات علَّهُ يعرفُ عن ابنهُ أيَّ شيءٍ، طالَ بحثُ والدِ زوجي ولم يترك فرعاً في المنطقةِ إلا وسألَ عن زوجي فيه، وكان الجميعُ يقولونَ لهُ أنَّهُ تمَّ نقله إلى فرعِ صيدنايا، وهناكَ من قالَ أنَّه نُقِلَ إلى سجنِ تدمر لم نكن نعلم الحقيقةَ من الكذبِ في أقوالهم.
أما بالنسبةِ لي فأنا كامرأةٍ لا أستطيعُ أن أفعلَ شيءً إلا الانتظارَ والتضرَّع لله كي يعيدهُ لنا سالماً معافى، في كلَّ مرةٍ يصدرُ فيها عفوٌ عن المعتقلينَ من سجونِ الأسد، كنتُ أجلسُ على قارعةِ بابِ البيتِ عدَّةَ أيامٍ في انتظارِ أن يطرقه أحدٌ لكن لا جدوى!!.
وبعد اعتقاله بأكثر من سنتين فقدت الامل من خروجه من المعتقلِ الظالمِ المظلم، وسيطر على روحي اليأس.
لم يبقَ من معيل لي ولبناتي، فبدأت البحث عن عمل حتى وجدت العمل مستخدمةً في أحد المنظمات، ولكن بعد سنة في العمل في المنظمة، توقف الدعم وعلى قول المتل (الذي لا يوجد لديه حظ لا يتعب ولا يشقى)، ولا أعلم بعد ماذا أعمل كي أؤمن لقمة العيش لبناتي.