شباب كالزهور في معتقلات الظالم
وفاء المحمد (كفرنبل، ادلب)
أخي وحبيبي كان حلمه أن يدخل الجامعة ويذهب إلى مدينة حلب ويتجول فيها ويتعرف الى معالمها وأسواقها.
درس الثانوية الصناعية وحصل على مجموع جيد وقَبِل في المعهد التقاني، سعى جاهداً للحصول على العلامات الكاملة لكي يكون مؤهلاً لدراسة الهندسة التقنية، وفعلا تمكن من دراستها.
قدم السنة الأولى من المعهد واجتازها في أعلى الدرجات وكان من الأوائل، وترفع الى السنة الثانية وهو على حماس كبير ليتفوق فيها أيضا.
وبعد انتهاء العطلة الصيفية وبدء العام الدراسي الجديد، قرر أخي الذهاب الى حلب وهنا كانت أيضا أختي الصغرى قد قبلت في كلية العلوم الآداب والعلوم الإنسانية، اصطحب أختي معه ليقدم لها الأوراق المطلوبة للجامعة، فكان يخشى عليها من الذهاب لوحدها لأن الشبيحة وقوات النظام كانت تملأ أرجاء المدينة، حيث كانت الثورة السورية في أوجها.
وفي صباح أحد الأيام جهزا أمتعتهما وأخذ أخي يودعنا ويقبل رأس والديّ، كانت هذه عادته التي اعتاد عليها كلما خرج من المنزل طالباً منهما الدعاء والرضا عنه، إحساس غريب انتابني في تلك اللحظة، راودني شعور بأن شيء ما سيحدث لأخي وأنه ذاهب لن يعود.
ركبا السيارة وانطلقا من مدينتنا ادلب الي مدينة حلب فكان الطريق طويلاً وبعد مرور ثماني ساعات وصلا بخير وسلامة، وفي اليوم التالي اتصلت بي أختي وأخبرتني أنها قدمت الأوراق المطلوبة للجامعة وستبدأ الدوام في كليتها التي كانت تحلم بها وهي فرع اللغة الإنكليزية.
وبعد مرور ما يقارب الشهرين على ذهابهما الى حلب حصلت مشكلة في الجامعة، خفنا عليهما كثيراً، وبينما نشاهد التلفاز وإذ بخبر اعتقال بعض الشبان من مدينة ادلب، فاتصلت بأخي فقال لي: “إن قوات النظام اعتقلوا بعض الشبان بحجة التظاهر من منازلهم وجامعاتهم وانا بخير لا تقلقوا علي”.
في اليوم التالي اتصلت بي أختي وهي تبكي وأخبرتنا أن الشبيحة قد اعتقلت أخي من المنزل الذي يسكن فيه، لم يتقبل عقلي ما سمعته، يا لها من كارثة ماذا سأفعل؟ وكيف سأخبر والديّ اللذان ينتظران تخرجه بفارغ الصبر؟ في هذه الأثناء عاد والدي إلى المنزل وقد علما بخبر اعتقال أخي، وانهارت أمي بالبكاء وباتت دموعها لا تفارقها ابداً.
وخوفاً على أختي التي لم تكمل امتحاناتها بعد، اتصلنا بها وطلبنا منها العودة الى المدينة، وعندما وصلت أخبرتنا بما دار بينها وبين أخي من حديث :”في نفس الليلة التي تم فيها اعتقاله كان قد ذهب إلى المنزل الذي أسكن فيه ليخبرني أنه بخير وسوف يسافر الى مدينتنا إدلب في الصباح الباكر بعد أن ينهى امتحاناته، وقد رتب لوليمة شواء مع أصدقاءه في ادلب احتفالاً بانتهائهم من الامتحانات، واشترى بعض الأغراض والهدايا المتواضعة لوالدي وإخوتي وقال لي، انتبهي لنفسك جيداً لأن الاوضاع متأزمة قليلاً وكوني على حذر عند ذهابك وعودتك من الجامعة، ثم ذهب الى منزله، وبعد ساعتين من ذهابه اتصلت بي صديقتي وأخبرتني باعتقال أخي وأصدقاءه الذين معه في المنزل من طلاب، لم أعد أحتمل ما حدث لأخي وانهارت دموعي واسودت الدنيا أمامي، لقد كرهت الجامعة ولن أعود اليها أبداً”.
كانت صدمة أختي بما حصل كبيرةً جداً، في حين لا تكاد تجف دموع أمي، أما أبي فكان يحاول عابثاً إخفاء دموعه حتى لا نراها، فهؤلاء المجرمين حطموا كل الأحلام التي بنيناها، لكن لا نستطيع فعل شيء سوى الدعاء له ولجميع المعتقلين بأن يمن الله عليهم بفك أسرهم، وأدعو ربي أن يعيده الينا سالماً وأن يُقِرَ عين والديّ بعودته، ويعوضهم بدل حزنهم فرحاً لا يحزنوا بعده أبداً.