أمينة امرأة هدفها بث الأمل في نفوس الآخرين
كتب ودفاتر وأقلام ولابتوب أسود اللون تتقاسم طاولة خشبية متوسطة الحجم حولها العديد من الكراسي الملونة، تجلس على هذه الكراسي نساء بأعمار مختلفة في غرفة صغيرة مخصصة للدعم النفسي، وهي جزء من مركز للرعاية الصحية في جبل سمعان بريف حلب الغربي.
يحتوي المركز على عدّة أقسام منها النسائية والتوليد وعيادة الأطفال وهناك أيضاً عيادة للداخلية وقسم دعم نفسي للأطفال، بالإضافة إلى صيدلية وقسم الإسعاف، وقسم الصحة النفسية حيث تعمل أمينة عبود المرأة الثلاثينية والتي تنحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، وكانت قد نزحت إلى مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي منذ منتصف شهر رمضان الماضي، بسبب الهجمة الشرسة التي تتعرض لها بلدات ريف ادلب الجنوبي، والقصف المستمر على منازل المدنيين، في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد منذ أكثر من خمسة أشهر.
تقول أمينة: “رغم موجة النزوح التي شهدتها قرى ريف إدلب الجنوبي استطعت تحقيق حلمي من خلال المهنة التي أحبها”.
وتضيف: “لقد فقدت عملي في مجال الرعاية الصحية، ورغم ذلك صممت على العمل في مجال العمل الإنساني، فدخلت مجال الصحة النفسية من أجل تقديم الخدمة للناس الذين تعرضوا للصدمات والضغوط النفسية التي خلفتها الحرب في نفوسهم، وقد شجعني على هذا العمل زوجي وأقاربي”.
أصبح هناك حاجة ملحة لمراكز الدعم النفسي في ظل الأوضاع الراهنة، بسبب الحرب، والتي تؤثر على وضع المدنيين سلباً والذي يعتبر من أهم أسبابها: خسارة المدنيين لبيوتهم التي ولدوا فيها وعاشوا طفولتهم.
وتصف أمينة حبها لعملها الجديد: “لقد أحببت العمل في هذا المجال لِما لمسته لدى الكثير من الناس من مشاكل نفسية حيث كانت معاناتهم كبيرة نتيجة تعرضهم للرعب والخوف الناتج عن الحرب”.
تقام في المركز جلسات توعية عن مواضيع نفسية مختلفة مثل الاكتئاب والضغوط النفسية وإدارتها وعن التبول اللاإرادي عند الأطفال، بالإضافة إلى برامج المعالجة المطورة للمشكلات.
وعن طبيعة عملها في المركز تقول: “نقوم بإخضاع المريض لسبع جلسات أسبوعية يتعلم ضمنها استراتيجيات تساعده على الخروج من محنته وتخفيف الضغط النفسي لديه، بالإضافة إلى الجلسات الفردية التي نقوم بها مع الأشخاص المستهدفين، حيث يتم سماع قصة الشخص وبعدها يتم تحويله إلى طبيب والذي بدوره يقوم بتقييم حالة المريض ويعطيه العلاج اللازم”.
وتضيف: “هناك فريق جوال يزور العديد من البلدات المجاورة حيث يقدم أيضاً خدمة الصحة النفسية في تلك المناطق”.
مدير المركز أبو أحمد (60عاماً) يقول: “يقدم مركزنا خدمة الصحة النفسية في المركز بالإضافة إلى الفريق الجوال في المناطق المجاورة، حيث يخضع الشخص الذي يعاني من ضائقة نفسية إلى جلسات فردية أو جلسات تدبير المشكلات والتي تساعده على الخروج من محنته واسترداد عافيته الصحية والنفسية”.
ولدى سؤالنا عن فريق العمل يجيب مدير المركز: “لدينا فريق عمل رائع ومتكامل، وخصوصاً أمينة الموظفة النشيطة بالفريق فلا يقتصر دورها على العمل داخل المركز بل يتعدى ذلك إلى العمل مع الفريق الجوال، فهي تحب الخير لجميع الناس”.
أم خالد (40عاماً) وهي مراجعة للمركز وطالبة لخدماته النفسية تقول: “أنا أتردد باستمرار إلى العيادة النفسية هنا وأشكر أمينة بشكل خاص على ابتسامتها الدائمة في وجوهنا واستقبالها لنا أحسن استقبال، فأمينة امرأة عظيمة ساعدتني على تخطي المشاكل والضغوط النفسية التي تعرضتُ لها، من قبل نظام الأسد المجرم الذي لا يفرق بين كبير أو صغير أو حجر أو شجر”.
وعن الصعوبات التي واجهتها تقول أمينة “لم يخلو مشواري في الصحة النفسية من المصاعب والعقبات، فالمركز يبعد عن سكني مسافة نصف ساعة بالسيارة، ولم يكن لدي وسيلة نقل مؤمنة ولكني بقيت مصممة على النجاح بعملي وتخطي الصعوبات، فهناك من هم بحاجة إليّ وعليّ ألاّ أستسلم للصعوبات التي تقف بطريقي، فقد نمّيت مهاراتي وبنيت قدراتي عن طريق الدورات التدريبية التي زادت رصيد المعلومات لدي وأصبحت يوماً بعد يوم من المتميزات في مجال الدعم النفسي ونلتُ عدّة شهادات شكر وتقدير”.
تضيف “ولكن رغم الصعوبات كنت سعيدة بعملي وخصوصاً أنني تمكنت من رسم البسمة على وجوه الكثير من النساء اللواتي يغمرهن الحزن والضيق والأسى وساعدتهن على اجتياز محنتهن عن طريق جلسات التوعية التي كنت أجريها لهن وأعلمهن استراتيجيات يستخدمنها في أي وقت يشعرن فيه بالضغط النفسي وقدمت العون للكثير من أخواتنا النازحات”.
تكلمت أمينة بهذه الكلمات وكانت غصة البكاء تخنق كلماتها وراحت تنظر بغير اتجاه، وبصعوبة أكملت: “عندما أنظر إلى هؤلاء النسوة والحال التي وصلن إليها يزداد تصميمي على متابعة عملي رغم الجهد والتعب الذي أبذله، فهن بحاجة إلى من يزرع في قلوبهن الأمل بحياة جديدة”.
شاركتنا الحديث هالة (25 عاماً) وهي امرأة من اللواتي يبحثن عن العلاج النفسي قائلة “عندما نزحت من بلدي بسبب اشتداد القصف، أصابتني حالة نفسية سيئة، ولولا وجود هذا المركز النفسي ووجود أمينة تلك المرأة صاحبة الابتسامة الرائعة، وتخفيفها من معاناتي وبث روح الأمل بداخلي لكنت بحالة نفسية سيئة جداً، شكراً لك يا أمينة أيتها المرأة المثابرة”.
في تلك الأثناء دخل طفل صغير من بوابة المركز بصحبة والدته وما إن شاهد أمينة حتى ركض إليها وعانقها وقال لها “أنا أحبك كثيراً”.
الحاجة للدعم النفسي أصبحت أكبر من الحاجة للعلاج الجسدي فالمرض الجسدي يشفى مع الدواء ولكن الأثر النفسي شفاؤه صعب جداً وبحاجة لعناية أكثر.
أمينة سعيدة جداً بعملها وخصوصاً عندما ترى الفرحة على وجوه النساء اللواتي تعانين من مرارة النزوح وقسوته، من أجل ذلك لم تسمح للظروف القاسية الوقوف بطريق نجاحها وتحقيق حلمها والنجاح في عملها الذي تحب، وهو مساعدة الآخرين، وتتقدم أمينة بالشكر لكل من كان عوناً وسنداً لها من أجل الاستمرار بعملها هذا.
إعداد: وفاء حلاق