أم فراس تستمر بتربية الأغنام رغم الحرب
مدجنة صغيرة يوجد فيها قطيع من الأغنام تقف بجانب بعضها البعض على طاولة توضع عليها الأعلاف لإطعامها وتتوسطها امرأة في الخمسينات من عمرها تدعى أم فراس وترتسم على وجهها آثار التعب.
وأم فراس هي امرأة من قرية حاس في ريف إدلب الجنوبي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية ولديها عشرة أولاد (خمسة ذكور وخمس إناث) وتعمل منذ ثلاثين سنة في مجال تربية الأغنام والاستفادة من ألبانها وأجبانها وأصوافها وغير ذلك.
ويبلغ تعداد سكان قرية حاس نحو 25 ألف نسمة أكثر من نصفهم نزح من القرية منذ بدء حملة النظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي أواخر نيسان 2019 (والمستمرة حتى تاريخ كتابة هذه القصة).
وتقول أم فراس: “أصبحت الحياة معدومة في البلدة شبه الخالية من سكانها ولم يبق سوى القليل من العائلات، ونحن لن ننزح من بلدتنا، سنبقى في بيتنا وبلدتنا ونعتني بالأغنام فهي المدخول المادي لنا ولا نستطيع العيش بدونها”.
وتراجعت تربية الأغنام في إدلب وذلك بسبب صعوبة تأمين العلف وغلائه وارتفاع تكاليف النقل وغلاء المحروقات وتدهور سعر صرف الليرة السورية (أكثر من 700 ليرة للدولار الواحد) واستحالة أو صعوبة تنقل مربي الأغنام بين المناطق السورية في ظل الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات.
ويقول مصطفى وهو تاجر غنم: “كان يوجد في ريف إدلب الجنوبي أكثر من ١٠٠ ألف رأس غنم ولكن بعد القصف الذي شهده هذا الريف وتهجير السكان وغلاء أسعار الأغنام انخفض عددها إلى ٢٠ ألف رأس”.
وبدأت أم فراس رحلتها في تربية الأغنام منذ أن تزوجت وتقول: “منذ أن تزوجت كان زوجي يربي الأغنام، يذهب إلى سوق الماشية لشراء الأغنام التي يكون إنتاجها للحليب جيداً”.
وتلبس أم فراس كل صباح ملابس العمل وتتجه إلى المدجنة وتنظف أرضها وتضع الطعام للأغنام ثم تعود إلى منزلها لتنظيف البيت ووضع الفطور لأولادها، بينما يرعى زوجها أبو فراس الأغنام في المراعي الجبلية في جبل حاس الذي يعتبر جزءاً من جبل الزاوية.
ويقول أبو فراس: “أنا أقوم باصطحاب الأغنام بعد صلاة الفجر إلى الجبل في الطرف الشمالي للبلدة حيث تتواجد الأعشاب والنباتات التي ترعاها الأغنام وأبقى حتى الساعة التاسعة”.
وتقول أم فراس: “بعد عودة زوجي من رعي الأغنام أقوم بحلب الأغنام ووضعها في إناء يحتوي على قرابة عشرين كيلوغرام بقدر ما تحلب الأغنام بعد تصفيته بقطعة قماش تكون شفافة لإزالة الأوساخ التي تقع فيها أثناء الحليب، ومن ثم أضعها في وعاء لغلي الحليب على النار، ومن ثم أقسمه على أوعية يكون وزنها ٢ كيلوغرام لرغبة أكثر الناس لها، وفي صباح اليوم الثاني يأتي أبو عبد الله لشراء اللبن وبيعه في محله”.
وأبو عبد الله هو أحد زبائن أم فراس ولديه محل سمانة ويقول: “أنا أقوم بشراء اللبن من عند أم فراس، سعر الكيلوغرام الواحد ٤٥٠ ليرة سورية وأبيعه بـ ٥٠٠ ليرة، وهي تقوم بترويبه بطريقة جيدة تجعل الكثير من الناس يشترونه، وهي معروفة في البلدة بنظافتها ولبنها النظيف”.
وتتحدث أم فراس عن صعوبة مهنتها وتقول: “تربية الأغنام متعبة ويجب العناية بها في كل الفصول، وأكثر فصل متعب الشتاء فيجب تأمين مكان دافئ يحميها من البرد والأمطار، فأغلب الأغنام تلد في هذا الفصل وهي بحاجة لعناية جيدة، ويجب وضع الطعام لها مرتين في اليوم”.
وبحسب أم فراس فإن تربية الأغنام مهنة مباركة “نستطيع الاستفادة منها بأكثر من شيء، وفي فصل الربيع يكون مردود الحليب أكثر حيث ترعى الأغنام الأعشاب الخضراء، ويبدأ الناس بإعداد مونة الجبن والدوبيركة (لبن مطبوخ) واللبن المصفى”.
وتقول أم أحمد (33 عاماً) وهي إحدى جارات أم فراس: “أنا لا أحب أن اشتري المونة من المحلات التجارية وإنما أحب أن أشتريها من عند جارتي أم فراس فهي ماهرة في صنع مشتقات الحليب التي تتميز بطعمها اللذيذ”.
وتشرح أم فراس طريقتها في صنع الجبن قائلة: “أضع حبة مخصصة لذلك في كمية من الحليب وبعد ساعة أضعها في قطع قماش حتى أحصل على أقراص من الجبن، ويمكنني الاستفادة من مصل الجبن بإخراج القريشة منه”.
وبينما كانت تحدثنا أم فراس دخلت زوجة ابنها الأصغر حاملة ضيافة لنا وهي صينية زهرية اللون عليها أربعة فناجين من الحليب رائحتها الطيبة ملأت الغرفة وشاركتنا الحديث وقالت:
“زوجة عمي هي بمثابة أمي فهي امرأة حنونة عطوفة تحب الخير للناس وعلى الرغم من عمرها الكبير فهي تعمل على مساندة عمي في كل الأعمال”.
بقلم أمل الأحمد