بشرى: “إكمال دراستي غير حياتي”
كتب ومحاضرات جامعية مبعثرة على الأرض، وشابة اسمها بشرى الجميل (26 عاماً) تفرز تلك الكتب والمحاضرات مرة إلى اليسار وأخرى إلى اليمين قاصدة عزل محاضرات السنة الجامعية الثانية عن محاضرات السنة الثالثة وتقول:
“لا تؤاخذيني على هذه الكركبة ولكن الحمد لله ترفعت إلى السنة الثالثة ومعي مادتين حمل لذلك أجرد كتبي ومحاضراتي”.
وبشرى الجميل هي شابة من قرية حاس في ريف إدلب الجنوبي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية وهي متزوجة وتدرس في كلية التربية الثانية بجامعة إدلب بعد انقطاعها عن الدراسة خمس سنوات.
تزوجت بشرى أواخر عام 2011 وبعد زواجها بعشرين يوماً ذهبت للتقديم على بطاقة الفحص في مدينة معرة النعمان وبينما كانت عائدة ومعها صديقاتها في سيارة نقل نصف سياحي (فان) أصيبت برصاصة في يدها اليسرى أثناء مرورها من أحد الحواجز العسكرية التابعة للنظام والمتواجدة في مدينة معرة النعمان. وتتضارب الروايات حول تلك الحادثة ولكن الراجح أن الجنود المتواجدين على الحاجز أشاروا إلى سائق السيارة أن يقف لكنه لم ينتبه فقاموا باستهداف السيارة.
تتذكر بشرى تلك الحادثة ويبدو عليها الخوف وتقول: “1٩/١٢/٢٠١١ ذلك التاريخ كابوس بالنسبة لي ولن أنساه طوال حياتي، أصبت يومها حيث اخترقت رصاصة من الحاجز بلور الفان وأصابت يدي، امتلأت زميلتي التي تجلس جانبي بالدماء فظننت أنها هي التي أصيبت، بعد ثوانٍ شعرت بألم شديد في يدي وأدركت أنني المصابة وبدأت بالبكاء”.
أدخل السائق بشرى إلى طبيب كان قريباً من المنطقة ليوقف نزيف جرحها ريثما تصل المشفى ثم أسعفت إلى مشفى دار الحكمة في كفرنبل.
تحاول أن تتذكر وتتابع: “كان باب المشفى كبيراً، أتذكر الممرضات، وقتها بدأت الأرض تدور من حولي ولم أعد أرى شيئاً، وعندما استيقظت وجدت زوجي بجانبي ويدي ملفوفة، قيل لي إني خضعت لعملية”.
خضعت بشرى لعملية جراحية لأن العظام في كف يدها قد تفتتت وإن احتمال قطع أصبع يدها كان قائماً إن لم تتحسن وبعد يومين زال هذا الاحتمال وبدأت بالمعالجة الفيزيائية، وتقول وقد بدا عليها الارتياح: “بعد العملية بدأت بالذهاب إلى مركز المعالجة الفيزيائية ثلاثة أيام أسبوعياً وبقيت على هذا الوضع شهرين وبعدها تحسنت، ويدي تعمل الآن مثل السابق ولكن بقي تشوه خفيف فقط”.
إصابة بشرى لم تثنها عن الدراسة والتحضير للامتحان فعندما جاء موعد امتحان شهادة الثالث الثانوي 2012 في شهر حزيران ذهبت إلى مدينة معرة النعمان لتقديم الامتحان محملة بالخوف من الحواجز العسكرية التابعة للنظام والمنتشرة على طول الطريق، وتقول:
“شعرت بخوف شديد أثناء الطريق، خفت أن يضربوا علينا الرصاص من جديد، ولكن ما هي إلا دقائق قليلة حتى وصلنا مركز الامتحان، قدمت حينها بشكل جيد”.
أنهت بشرى الامتحان وبدأت تنتظر النتائج بفارغ الصبر وعند صدور النتائج كانت نتيجتها جيدة، ولكن لم تستطع في البداية إكمال طريق تعليمها لأن زوجها كان يعمل في دير الزور وكانت مضطرة للذهاب إلى هناك.
قررت بشرى بعد أن عادت إلى بلدة حاس أن تسجل في كلية التربية في مدينة معرة النعمان، وكانت تحس بفراغ كبير لأنها لم ترزق بطفل يملأ وقتها، فقررت إكمال دراستها وقدمت في عام 201٧ على المفاضلة في جامعة معرة النعمان وقبلت تربية معلم صف، وتقول:
“دفعت رسوم الجامعة وبدأت بحضور المحاضرات، وكل تلك السنوات التي مرت وأنا أشعر بملل كبير لأني لم أكمل دراستي ولم أزرق بطفل يملأ عليّ حياتي ولكن الحمد لله أتت تلك اللحظة التي كنت أحلم بها منذ سنين”.
وتقول صديقتها منى الحسن (٢٧ عاماً): “والله بشرى كانت فرحتها لا توصف وقت سجلت على الجامعة وبدأت تنصحني أن أسجل لأن الدراسة والتعلم هي السبيل الوحيد لبناء مستقبلنا”.
وتأسست كلية التربية في معرة النعمان في العام الدراسي 2015/2016 بعدد طلاب 76 طالباً وطالبة سنة أولى وكانت تابعة لجامعة حلب الحرة ثم أصبحت في عام 2019 تابعة لجامعة إدلب باسم كلية التربية الثانية بجامعة إدلب.
واجهت بشرى بعض الصعوبات منها المواصلات واختلاف المنهاج الجامعي عن المتوقع بعد انقطاعها فالمواد الجامعية تحدثت.
في الوقت نفسه قدمت بشرى على وكالة للتعليم في قرية كفرروما المجاورة لبلدة حاس فكانت تجمع بين الدراسة والتدريس، تذهب إلى كلية التربية لتتعلم وتذهب إلى المدرسة الابتدائية لتعلم، وبقيت على هذه الحال سنة كاملة حتى انتهت مدة وكالتها، وتقول:
“أنا سعيدة جداً لأني أتابع دراستي وأتفوق بها وأيضاً أقدم المساعدة للطلاب وأدرسهم، أشعر أني امرأة مفيدة وأصنع شيئاً لمستقبلي، التدريس تجربة جيدة جداً”.
وبينما كنت أنا وبشرى مندمجتين في الحديث دخل زوجها عبد الرحمن المحمد (32 عاماً) ليقطع حديثنا ويقول: “في السنوات الخمسة التي كانت بشرى لا تدرس كنا غالباً ما يحدث بيننا جدال وبعض المشاكل الناتجة عن ضيق صدرها ومللها أمّا الآن فسعادتنا لا توصف”.
بشرى في الشهر الثامن من حملها ولكن بطنها المنتفخ لم يقلل من عزيمتها وتقول “رغم المعاناة التي أحس بها وكبر بطني ولكن لن أتنازل عن الدراسة، سوف أبقى أجد لأن من جد وجد”.
بقلم إيناس محمد