بسطة صغيرة بداخل منزل أم محمد تسد حاجيات عائلتها المُهَجرة
أم محمد (اسم مستعار) امرأة من بلدة بسقلا في ريف ادلب الجنوبي نزحت إلى مدينة كفرتخاريم بريف ادلب الشمالي بسبب القصف الجوي والمدفعي الذي تنفذه قوات الأسد والاحتلال الروسي على مناطق ريف ادلب الجنوبي منذ شهر أيار 2019 الأمر الذي تسبب في نزوح مئات الآلاف من السوريين وترك بيوتهم.
تخضع مدينة كفرتخاريم لسيطرة الفصائل الثورية ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 30 ألف نسمة وتستقبل يومياً عائلات نازحة من مناطق جديدة، تقول أم محمد: “نزحتُ منذ خمسة أشهر بتاريخ ١٥/٨/٢٠١٩إلى مدينة كفر تخاريم بعد أن تهدم قسم من منزلي بسبب القصف “.
أم محمد أم لخمسة أولاد (ثلاثة صبيان وابنتان) قررت مساعدة زوجها في تأمين قوت العائلة بعد رحيلهم عن بلدتهم وتقول: “بعد أن نزحنا استقرينا في منزل بدون كسوة، مؤلف من ثلاث غرف، قمنا بوضع بطانيات على النوافذ والأبواب لتقينا من برد الشتاء، جلبنا ما تبقى من أثاث المنزل وأغراض الدكان القديم، وقمنا بتفريغ غرفة من أجل وضع أغراض الدكان بها وغرفة تأوينا مع الأطفال”.
بعد أن كان لدى أم محمد دكانها الخاص اضطرت أن تعود من جديد للبيع في المنزل، لتشرح لنا عن وضعها: “أصبح وضعنا المادي صعباً في ظل النزوح وغلاء الأسعار بعد ارتفاع الدولار حيث كنت اشتري طرد الحفوضات المعذور (فيه عيب بالصناعة) بثلاثة آلاف أما الآن فقد أصبح سعره ٧دولارات أي ما يعادل ٦٠٠٠آلاف الأمر الذي أدى لقلة الأرباح وسط انخفاض في مستوى المعيشة”.
قطع حديثنا طفل عمره ما يقارب الست سنوات بشعر أسود دخل بدون استئذان وقال: “يا خالتي جبتي الغراض إلي وصتك عليهن أمي؟ أجابته نعم قل لأمك أن تأتي من أجل أخذها” وتابعت “الحمد لله بعد استقراري هنا بدأت الجارات تأتي لشراء ما يلزمها من عندي وخاصة بعد نزوح الكثير من أقاربي في مدينة كفرتخاريم”
دخلت إحدى زبونات أم محمد لتشتري بعض حاجياتها وقالت: “جارتي امرأة مثالية وتخاف الله وأنا اشتري كل ما يلزمني من مواد غذائية منها وبناتي المتزوجات أيضاً، فهي تبيع بسعر أقل من السوق وخاصة بعد ارتفاع سعر الدولار يرفعون أسعار جميع المواد بنسبة تزيد على ارتفاعه”. وانصرفت الزبونة شاكرة أم محمد
بدأت أم محمد بالحديث عن حياتها قبل نزوحها حيث تقول: ” لقد ساعدت زوجي كثيرا، كان لدينا عشرة رؤوس من الأغنام، اقترحت على زوجي فكرة بيع رأسين من الأغنام وشراء بعض أدوات التنظيف وبيعها في المنزل، آملين أن يصبح وضعنا المعيشي أفضل، وافق زوجي على ذلك وبدأت بشراء كميات صغيرة من المعطر والصابون ومسحوق الغسيل وغيره من أدوات التنظيف، وأصبح إقبال النساء على الشراء جيد، فقد كنت أبيع بسعر أقل من السوق، كنت أتعامل مع رجل يقوم بتوصيل المواد إلى المنزل بسيارته مما يخفف عليّ أجرة النقل”.
توقفت عن الكلام قليلاً والحزن على وجهها: “لم أنس تلك الليلة عندما كنت جالسة أنا وأطفالي على السطح نتناول العشاء لم نسمع سوى صوت الطائرة تحوم في الأجواء، كان صوتها مرعباً ومخيفاً، دخلنا المنزل ليمتلئ المكان بالغبار ولم نعد نرى شيئاً، لقد ألقت المروحية برميلاً متفجراً على منزل جارنا ما أدى إلى دمار قسم من منزلنا ولكن الحمد لله لم نصب بأي أذى، خوفي على أطفالي دفعني إلى النزوح لمكان أكثر أمناً وها نحن هنا في الشمال ندعو الله أن يعيدنا لبلدنا”.
دخلت خديجة (اسم مستعار) عمرها حوالي الخمسين عاماً عرفت عن نفسها بوالدة زوج أن محمد (حماتها بلهجة أهل المنطقة العامية) لتشارك بالحديث: “أم محمد امرأة عظيمة، فهي نشيطة مجدة للعمل، كانت تقف إلى جانب ولدي وتساعده في أوقاته الصعبة بمصروف المنزل وخاصة بعد أن أصبح لديهم أطفالاً يحتاجون لكثير من الاحتياجات”.
يقول زوجها أبو محمد: “أحترم زوجتي وأقدر عملها، فهي تعتني بالأولاد وتساندني بالعمل وخاصة في ظل النزوح وضيق المعيشة إضافة إلى عملها بالمنزل، فقليل من النساء التي تقف إلى جانب زوجها بأوقاته الصعبة”
قطع صوت أبو محمد أحدى الجارات تنادي لأم محمد لتجيبها تفضلي أم شادي أهلا وسهلا “بدي اشتري كيلو معجون وكيس سار (مسحول غسيل)” تقول أم شادي: “قبل أن تنزح أم محمد إلى هنا كنت أشتري ما يلزمني من السوق ولكن بعد نزوحها إلى هنا بدأت بشراء احتياجات من بسطتها المنزلية المتواضعة والتي أجد فيهاً أسعاراً تضاهي المحلات الضخمة بانخفاض السعر”.
أم محمد هي أحد الأمثلة عن النساء السوريات اللواتي يتصفن بمساندة الزوج في ظروفه الصعبة لتكوين الأسرة.
أمل الأحمد