سلام تعود إلى نسج القبعات في ظل الحرب
“حصوة تسند جرة”، تقول سلام (اسم مستعار) وتتابع: “لم يكن عملي من الأعمال التي تجلب كثيراً من المال، لكنه مصروف بيدي أجده حين لا أجد ثمن إحدى حاجات أطفالي ومنزلي”.
وسلام هي امرأة أربعينية تعمل في النسيج اليدوي وخاصة نسج القبعات، وتعيش في قرية الخربة الواقعة شمال شرق مدينة دركوش في ريف إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل الثورية، وهي أم لخمسة أولاد، أربعة ذكور وأنثى واحدة، وتحب مهنتها وتعتبرها هواية وتتذكر بداية تعلمها قبل نحو خمس عشرة سنة وتشرح ذلك قائلة:
“بعد زواجي بفترة قصيرة بدأ زوجي يخرج إلى العمل في المناطق الساحلية، فهو يتقن مهنة تقليم الأشجار المثمرة مثل البرتقال والتفاح والزيتون، وكان يغيب عن المنزل مدة عشرين يوماً وأنا أمضي فترة غيابه في منزل والدي”.
وفي منزل والديها في بلدة عزمارين الواقعة في ريف إدلب الشمالي أيضاً طرحت عليها أمها فكرة نسج القبعات، وتقول سلام:
“وافقت على الفكرة، وقمت بالتعامل مع إحدى النساء وأخذ الخيوط ونسج القبعات الحريرية، فهي مطلوبة بشكل كبير، حيث أنها تصدر إلى دول الخليج”.
ومع الأيام رأت قريبات زوج سلام وجاراتها وبعض الفتيات عملها وأبدين رغبة في تعلم هذه المهنة بحسب سلام التي تقول:
“بدأت بتعليمهن في بيتي في فترات غياب زوجي عن البيت، وكنت سعيدة لقيامي بمساعدة أهل قريتي، وهذا ما دفعني إلى العمل وجلب الخيوط والتعامل مع التجار في بلدة عزمارين وتوزيع وتشغيل أكبر عدد ممكن”.
لكن سلام آنذاك عملت فقط مدة سنتين في نسج القبعات ثم توقفت من أجل الاعتناء بأطفالها ومنزلها إلا أن الظروف القاسية التي تمر بها سوريا منذ عام 2011 أجبرت سلام على العودة إلى العمل، وتشرح ذلك قائلة:
“التضييق على الأهالي جعلنا نعود لتعلم كثير من الأعمال التي لم نفكر بتعلمها مسبقاً، كنت لا أعرف كيف يعجن الخبز ثم أصبحت أقوم بالعجن والخبز على التنور والغسيل على اليدين لقلة الخبز وقطع الكهرباء”.
وتتابع: “بالكاد أستطيع إنهاء أعمال المنزل والعناية بأطفالي، لكن سوء المعيشة وقلة فرص العمل وتوقف عمل زوجي بسبب الظروف الأمنية دفعني إلى العمل من جديد، وتشاركني الآن أختي، هي تعمل وتوزع العمل ضمن مدينة عزمارين، وأنا في قريتي والقرى المجاورة، والآن أصبح لي أربع سنوات في هذا العمل”.
وعمل سلام لا يحتاج سوى السنارة والخيوط، ولكنه يتطلب دقة وإتقاناً وتلعب جودة الخيوط فيه دوراً كبيراً، وتوضح سلام ذلك قائلة:
“الخيوط أنواع، فهناك خيط الوردة البيضاء وهو خيط ممتاز يأتي من مدينة حلب ولكنه غير متوفر حالياً بسبب الظروف، ولذلك نستعين بالخيط الشامي وهو أقل جودة”.
وتشاركنا الحديث إحدى الفتيات العاملات لدى سلام واسمها منى (15 عاماً) وتقول:
“أنا طالبة وأحب دراستي جداً، لكن الظروف القاسية التي نمر بها أجبرتني على تعلم هذه المهنة من أجل مساعدة أهلي في المصروف، وبالرغم من ذلك ما زلت أدرس لأنني أعمل في البيت”.
وتعاني سلام في مهنتها هذه من تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وزيادة تكاليف النقل، خاصة وأن الخيوط الخام تأتي غالباً من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد والمعزولة عن إدلب، وتوضح سلام ذلك قائلة:
“ارتفاع الدولار له أثر سلبي كبير، بالإضافة لارتفاع سعر المحروقات، وكلما ارتفع سعر الدولار وسعر المحروقات ارتفعت تكاليف النقل والشحن وقلت أرباحنا وذهب جزء كبير من تعبنا فرق آجار سيارات لتوصيل الخيوط، فنحن في مناطق يصعب كثيراً إيصال البضاعة إليها”.
وتشرح أم محمد (50 عاماً) بعض صعوبات هذه المهنة قائلة:
“أعمل رغم كبري في السن في نسج الخيوط، لكنها مهنة متعبة جداً وتحتاج جلسات طويلة ومتواصلة لإنتاج أكبر عدد من القبعات، وهذا على حساب صحتنا فهو يسبب قلة النظر ووجع ظهر ومناقير في الرقبة، لكنني أتحمل لأنني سأقبض ثمنها وأرى الابتسامة على وجوه أحفادي عند إعطائهم النقود لشراء ما يحبون من أكلاتهم المفضلة”.
وبالإضافة إلى عملها في نسج القبعات تشرف سلام على جمعية نسائية وتقول:
“لتدني مردود العمل جاءتني فكرة القيام بجمعيات للفتيات والنساء العاملات، وهذا من خلال تسليم الكمية وأخذ ثمنها وتوزيع أجار العاملات، من خلال ذلك أقوم بجمع أقساط محددة ٢٠٠٠ و٣٠٠٠ ليرة سورية عند كل تسليم كل عشرين يوماً وإعطائها لإحدى العاملات بالتسلسل ضمن الاتفاق فيما بيننا، وبهذا تستطيع أي عاملة الاستفادة من عملها بشراء ما تريد من خلال تجميع المبالغ التي تجنيها”.
المرأة قادرة أن تكون أم ومربية وعاملة تساند زوجها وتنشئ أطفالها بطريقة صحيحة بحسب سلام التي تتمنى أن تتوقف الحرب قائلة:
“كل ما أتمناه أن تحل أزمة سورية ويعود الاستقرار ليكمل أطفالي وأطفال سوريا دراستهم وتحقيق أحلامهم التي دمرتها الحرب”.
بقلم تغريد