رحل ولدي وأخذ قلبي معه
صبحية البيوش (كفرنبل، ادلب)
اسمي “رغداء” أبلغُ من العمر 45 سنة، متزوجةٌ ولدي ستةُ أولادٍ أقيمُ حالياً في مدينةِ “كفرنبل”، كان زوجي يعمل مساعدَ مهندسٍ في مدينة حلب، وعند اندلاع الثورة في سوريا كنَا نقيم في حلب “سيف الدولة”، حيث ترك زوجي عمله وعدنا إلى مدينتنا “كفرنبل”، كانت أحوالنا المادية جيدة حيث مررنا بكل أحداث الثورة التي مرت بها المدينة من موت وقصف ورعب، وعشنا سعادة عارمة حين تم تحرير المدينة من حواجز قوات الأسد.
كان لدي طفلٌ صغيرٌ عمره عامان اسمه محمد أحبهُ كثيراً، وفي يوم من الأيام طلبت من زوجي مرافقتي إلى طبيبٍ مختصٍ بطب العيون لأن عيني كانت تؤلمني، وبالفعل تم ذلك وكان برفقتنا ولدي محمد وبعد المعاينة فوجئت بقول الطبيب:” حان دور الطفل” فظننتُ أنا وزوجي أن الطبيب يمزحُ معنا فأجابنا الطبيب: بأن الطفل مريضٌ ولا يرى بعينه وأحضره ووضعه على كرسي المعاينة وبعد الفحص قال لنا:” علينا أخذ عينة من الطفل إلى المخبر من أجل تحليلها، تم ذلك وعند ظهور نتيجة التحليل أصبتُ بصدمةٍ قويةٍ حينما قال الطبيب:” يجب إسعاف الطفل إلى مشفى مختص بالأمراض السرطانية نظرنا أنا وزوجي إلى بعضنا البعض مذعورين متفاجئين مندهشين ضممت ولدي إلى صدري والدموع تسيل من عيوني وعيون زوجي.
عندها بدأت المعاناة وبعد إجراء عدة اتصالات تبين بأن المشفى المختص موجود في دمشق “حرستا”.
سافرت بمفردي لأن زوجي لا يستطيع السفر خارج المدينة خوفاً من حواجز قوات الأسد، كنت مذعورةً جداً لكن مرض ولدي جعلني أتغلب على خوفي.
وعند وصولي للمشفى وبعد أن تمت معاينة الطفل أعلمني الطبيب أن الطفل يحتاج لعملٍ جراحيٍ “استئصال العين بالكامل” بسبب انتشار مرض “السرطان” وبالفعل تم ذلك أصبحت برفقة طفلي الصغير ضمن غرفةٍ مليئةٍ بحالات مماثلة أمضيتُ عدة أيام صعبة جداً لعدم وجود أحد برفقتي.
يشاركني حزني وألمي بسبب ما أصاب طفلي لأننا لا نعرف أحداً بدمشق، تعافى ولدي من العملية الجراحية وبعد المعاينة الثانية طلب مني الطبيب المختص مراجعة مشفى “المواساة” بدمشق لأخذ جرعات كيميائية للسرطان.
أصبحت أنا وولدي نجوب الشوارعَ والحدائقَ وعلى الأرصفة وكنا نمضي أكثر الليالي والأيام في الحديقة، أحب ولدي الحديقة، وصار يطلبُ الطعامَ والألعاب مني ويقول لي:” لا أريد العودة إلى المشفى إنَني لا أحبها أريدُ البقاءَ في الحديقة “، ولكنني حينما جاء موعد الجرعة أجبرته على الذهاب وهو يصرخ بأنه لا يريد العودة إلى المشفى.
وفي أثناء إعطائه الجرعة الكيمائية فارق الحياة حينها صدمت وذرفت دماً عوضاً عن الدمع، وقال لي الأطباء:” بأن إدارة المشفى هي التي ستقوم بدفن الطفل، فعارضت ورفضته رفضاً قاطعاً وقلت لهم سوف أدفنه في مدينتي فذهبت واستأجرت سيارةً عامة للسفر إلى المناطق المحررة فطلب مني سائق السيارة مبلغاً مالياً كبيراً، أُجبرتُ على القبول ووضعتُ ولدي في حضني وسافرت وأنا أفكر كيف ذهب طفلي فجأةً بين يدي، كان السفرُ شديدَ القسوةِ بسبب كثرة حواجز الأسد، وعند وصولي المدينة كان زوجي وأولادي وأقربائي بانتظاري وعندما رأوني كان الموقف صعباً للغاية، وبعد البكاء وبعد أن تفطرت قلوب الجميع دُفنَ ولدي تحت الثرى ودفن قلبي الذي أحبه معه.