حب الديار
تزوجت من شاب من مدينتي كفرنبل وأصبح لدي أربعة أولاد، نقيم حالياً في المدينة.
كان زوجي شرطياً في قوى الأمن الداخلي ويخدم في معبر باب الهوى بالأطراف الشمالية لمحافظة إدلب وفي بداية الثورة ووصولها لمدينتنا ودخول قوات الأسد وإنشاء الحواجز والتعرض للأهالي وإطلاق النار عشوائياً ما دفع الناس للخروج بمظاهرات سلمية في المدينة تنديداً بالأعمال التي يقوم بها نظام الأسد ضد الشعب.
أعلمني زوجي بأنه لن يذهب إلى عمله ثانيةً وأنه قرر الانشقاق لما شاهده من ظلم آلة القمع التي تستخدمها قوات الأسد ضد المدنيين.
بدأت معاناتي الحقيقية عندما أصبح عناصر قوات الأسد يداهمون المنازل لإلقاء القبض على الثوار والمنشقين وذلك بطريقة غير إنسانية، وكان زوجي لا ينام في المنزل خوفاً منهم وقاموا بمداهمة منزلنا لأكثر من مرة بطريقة مخيفة وعنيفة بسبب قرب حاجز “العيار” القريب منا وكانت ظروفنا صعبة جداً، زوجي كان لا يستطيع المجيء إلى المنزل إلا لوقت قصير خوفاً من الاعتقال، حيث بقي دون عمل ولا يستطيع تأمين الاحتياجات الأولية لنا، وذات يوم حضر زوجي وأخبرني بأنه يريد الرحيل وطلب مني أن أحمل معي بعض الملابس للأولاد، عندها تفاجأت بذلك وقلت له:” أين سوف نذهب” قال لي: وهو خائف سوف يقوم الثوار بإزالة الحواجز من المدينة سوف نرحل خوفاً عليكم ولكن إلى أين فقال إلى المخيمات ربما تهدأ الأمور وبالفعل قمنا بالالتفاف حول المدينة وتمكنا من الخروج باتجاه مخيم قاح بالقرب من بلدة أطمة على الحدود التركية وعند وصولي واستلام خيمة امتلأت عيوني بالدموع وسالت على وجهي مما شاهدته كانت الظروف التي أقمت بها قاسية بسبب عدم تأمين شيء لنا من تدفئة أو طعام.
وبعد عدة شهور علمنا بأنه قد تم إزالة الحواجز الأسدية من مدينتنا عندها قمت بإقناع زوجي بالعودة إلى ديارنا وإلى منزلنا الصغير، وعند وصولنا شاهدت المدينة فارغة من الأهالي وذلك بسبب تعرضها للقصف الهمجي من قبل الطيران الحربي والمدفعية البعيدة ونزوح الأهالي إلى أطراف المدينة.
وجدت منزلي فارغ من جميع مستلزمات الحياة من لباس وطعام بدأ زوجي بالبحث عن عمل وبعد عدة أيام قال لي:” سوف أقوم بتقطيع حطب الزيتون”، قلت له:” هذا عمل قاسٍ” فأجاب لا يوجد غيره حالياً الأولاد جائعون ونحن قادمون على فصل الشتاء ونحتاج الحطب للتدفئة، وبالفعل ذهب في الصباح الباكر وعاد عند غروب الشمس وعند ما يقوم بتناول الطعام ينام وهو جالس من شدة التعب، وكان الأولاد الصغار ينظرون له بشفقة ويقولون له يا أبي تعمل كثيراً، نحن قلقون عليك فيقول:” وهو يضحك لا تهتموا العمل للرجال وظروفنا صعبة وقاسية ومع بداية فصل الشتاء وبعد عدة أسابيع بدأ البرد وكانت نوافذ الغرفة مغطاة بمادة النيلون، لأنه لا يوجد سوى الشبك الخارجي.
وكلما هب الهواء القوي والعواصف صوتها القوي كان يخيف الأولاد، وبسبب غلاء المازوت والحطب أصبح زوجي يحضر لنا بعد عودته من العمل يذهب إلى بساتين الزيتون ويقوم بإحضار ما سقط تحت الأشجار من بقايا القص الأشجار ويجمع أكياس النايلون وبعض الملابس حتى أمضينا فصل الشتاء، كان قاسياً جداً ببرده وقلة المال الذي نملكه لتأمين مستلزمات المنزل، مع كل هذه الظروف كانت أفضل من إقامتي ضمن مخيم قاح لا أعلم لماذا ربما هي الفطرة التي يملكها الأنسان من حبه لأرضه ودياره.
(صبحية البيوش)