أم عبدو تواصل الخياطة رغم النزوح
غرفة مكتظة بالملابس والأقمشة، وفي إحدى الزوايا أكياس من النايلون داخلها ملابس نسائية وملابس أطفال، وفي زاوية أخرى ماكينة خياطة يدوية وحبل من القماش يربط بين جدارين عليه أقمشة شتوية وصيفية وكلف وورود صناعية لتزيين الفساتين.
“تفضلي ماذا تريدين؟ شراء ملابس جاهزة أم خياطة ثوب؟”.
هكذا استقبلتنا أم عبدو (40 عاماً) وهي امرأة نازحة من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي إلى بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي، وتعمل في بيع الألبسة والخياطة اليدوية النسائية.
ويبلغ تعداد سكان بلدة حاس حوالي 25 ألف نسمة، أما سكان بلدة كفرتخاريم فحوالي 35 ألف نسمة، وكلتاهما خاضعة لسيطرة الفصائل الثورية.
وسبب نزوح أم عبدو هو الحملة العسكرية التي يشنها نظام بشار الأسد وحليفته روسيا على ريف إدلب الجنوبي منذ أيار 2019، والتي أدت إلى استشهاد مئات المدنيين في غارات الطائرات الروسية وطائرات النظام على مدنهم وقراهم، ونزوح نحو نصف مليون شخص إلى مناطق أخرى آمنة نسبياً وخاضعة لسيطرة الفصائل الثورية كريف إدلب الشمالي وأجزاء من أرياف حلب.
كما أدت الحملة إلى سيطرة قوات النظام وروسيا على أجزاء من ريف إدلب الجنوبي كمدينة خان شيخون وبلدة الهبيط.
وتتحدث أم عبدو عن رحلة نزوحها وتقول: “كان لدي محل ألبسة ومشغل خياطة في بلدتي حاس، ولكن بعد تعرض البلدة إلى القصف بجميع أنواع الأسلحة نزحت إلى كفرتخاريم”.
وتضيف: “لم أجد منزلاً للآجار بسعر مقبول فقررت السكن في هذه الشقة، وقمت بوضع باب للشقة ووضعت بطانيات على النوافذ لأن الجو بارد، وولدي عبدو قام بوضع تمديدات صحية وصب أرض الحمام والتواليت”.
وبعد تجهيز الشقة نقلت أم عبدو أثاث منزلها ومحل الألبسة وأدوات الخياطة التي لم تفارقها منذ عشرين عاماً، وتقول:
“بعد هذا النزوح بدأت ببيع الملابس بنفس السعر الذي اشتريتها به لأنه لا يوجد مكان يتسع لها ويوجد العديد من الناس الذين يقومون بشراء الملابس دون دفع مباشر وإنما بالدين، فقررت تصفية الملابس ولكن ماكينة الخياطة لن أستغني عنها ابداً”.
وأخبرت أم عبدو بعض زبائنها القدامى وبعض سكان حارتها الجديدة أنها ستستأنف عملها في الخياطة، وتقول:
“عندما استقريت في هذه الشقة بدأت باستقبال قطع من القماش للخياطة لجميع النساء من بلدتي اللواتي يأتين إلي لكي أحيك لهم الثياب، ولكن عملي ليس مقتصراً على تفصيل الثياب وإنما أقوم أيضاً بالتصغير والتقصير”.
وتكسب أم عبدو في اليوم الواحد قرابة 2500 ليرة سورية من خياطتها، وتقول: “الحمد لله مهنة الخياطة مردودها ممتاز لعائلتي لأنني في بعض الأحيان أستطيع أن أقص ثلاث قطع وأقوم بخياطتهن في يوم واحد”.
وتعاني أم عبدو من عدم استقرار سعر صرف الليرة السورية وتدهورها المتواصل، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 900 ليرة سورية، ما يؤدي إلى الارتفاع المتواصل لأسعار الأقمشة ولوازم الخياطة، كما أن واجباتها المنزلية تعيق عملها في الخياطة أحياناً.
وكانت أم عبدو تملك هي وابنة عمتها أم حمود (38 عاماً) مشغل خياطة في بلدة حاس، وكان عليه إقبال كثير من النساء، وخاصة في الفترات التي تسبق الأعياد، إذ كانتا تخيطا لكثير من النساء والفتيات ثياب العيد وبموديلات جديدة ومختلفة، ولكن النزوح فرقهما، وتتذكر ذلك أم حمود قائلة:
“الحمد لله على كل حال، كان عملنا في مهنة الخياطة جيداً لعائلاتنا، وكان علينا إقبال ممتاز، فكنا لا نستطيع خياطة الأقمشة المطلوبة في الوقت المحدد من كثرة العمل علينا، لكن للأسف أصبحنا كل واحدة في مكان، وعلى الرغم من ذلك نكمل عملنا في النزوح، فهي تكمل من كفرتخاريم وأنا من سرمدا”.
وتصف نسرين (30 عاماً) جارتها أم عبدو بأنها “خياطة تتقن عملها وتحيك الثياب وكأنها ثيابٌ جاهزة”.
وهو ما يروق لأم علي التي تقول: “أنا لا أخيط الثياب إلا عند أم عبدو، وذلك ليس بسبب القرابة بيننا وإنما لأنها ذات ذوق جميل في كل شيء، وهي تختار معي الموديل واللون وكل شيء، وإن الثوب الذي تحيكه أم عبدو جميع جاراتي يقلنّ لي إن موديله رائعٌ جداً”.
وأم عبدو متزوجة ولديها خمس بنات وولد واحد وقد تعلمت الخياطة منذ أن تزوجت من عامل الحفر والبناء محمد العبد (47 عاماً) وتتذكر ذلك قائلة: “كانت ابنة عمي تمارس مهنة الخياطة، فطلبت منها أن تعلمني هذه المهنة لأني أُحبها ولكي أساعد زوجي بمصروف العائلة”.
وختمت حديثها معنا عن الخياطة بالقول: “الحمد لله على سمعتي في الخياطة، وأنا أرضى بأجر قليل”.
بقلم إيناس المحمد