“كان ولدي أكثر مني صبراً”
“أم أحمد” أبلغُ من العمرِ ستَين سنة، لديَ خمسةُ أولادٍ وزوجي يعملُ في لبنان، كانت حياتنا الماديَة جيدةً ونعيشُ حياةً بسيطةً وهادئة.
وبعد أن مرت السنونُ كبر أولادي وأصبحوا شبان، زوجتُ الاثنين الكبار ولكن لم نعلم ماذا كان يخبئ لنا الزمن.
اندلعت الثورة في بلدنا وبدأ الشبان بالمشاركة بها وكان أولادي من أوائل المشاركين بالمظاهرات، لكن سرعان ما تحولت إلى معارك كان ولدي محمد يشارك في كل معركةٍ وكانت آخر معركة شارك بها بريف حماةَ الشرقي التي غيرت مجرى حياته، فقد بقي في هذه المعركة مدة شهر دون أن نراه وفي اليوم الذي كان يريد أن يأتي به، أصيب بأحد الشظايا وكانت أصابته في رأسه، حيث تمَ إسعافه إلى المشفى المتواجد على الحدود التركية لكن بسبب خطورة إصابته تم ادخاله إلى مشفى “أنطاكية” داخل تركيا.
كانت هذه الأيام من أصعب أيام حياتي فولدي بين الحياة والموت دون أن أكون بجانبه أو أراه، وقد تم إجراء عدة عمليات له، وكان قلبي يتفطَر خشيةً عليه.
كنت أتواصل مع أخيه الذي رافقه كي أطمئن عليه، وذات يوم أخبرني بأنَه فقد البصر كانت صدمةً كبيرةً في حياتي، لقد كان نشيطاً وكثير الحركة كيف ستكون حياته بعد ذلك، بعد مرور أيام قليلةٍ جاء ولدي وأخاه لقد كان المشهدُ مؤثراً ومبكياً، أخاه يمسكُ بيده ضممته إلى صدري والدمع يسيل من عينيَ دون أن يراني لكنَه كان أكثر صبراً منَي وبدأ يقولُ لي ” هذا ما كتبه الله لي يا أمي”.
مضتِ الأيام وأصبح ولدي يتعامل مع مجريات حياته الجديدة، فبعد ستة أشهر على إصابته بدأنا بأقناعه أنا ووالده من أجل أن نزوجه كان في البداية لا يريد الزواج، لكن بعد إلحاحنا الشديد عليه وافق على ذلك فتزوج ورُزق بطفلٍ ملأ قلبه حبَا لعلَه يواسيه بعض الشيء.