الحياةُ في مخيَّماتِ اللجوء
في صغري كنتُ أعيشُ مع عائلتي في مدينة حلب حياةً بسيطة، ولم نكن من طبقة الأغنياء إلَّا أننا كنَّا نقضي وقتاً سعيداً وبعيداً عن الحزنِ والهموم إلى أن بدأت الأوضاعُ تصعبُ وتسوء في سوريا.
لم أكترثُ لهذا الأمر وكان في اعتقادي أَّنَّها غمامةٌ من الصعابِ وسوف تزول قريباً ويعود كلُّ شيء إلى ما كان عليه، لكن كنتُ مخطئةً حيث زاد الوضعُ سوءاً وبدأت المظاهراتُ في كل مكان وزادت الأمور حدَّة، عندها قرر أبي السفرَ إلى مدينة كفرنبل حيث يقطنُ أهل والدي ووالدتي.
لم يكن لدينا دارٌ في المدينة فكنَّا نتنقلُ بين منازل أقربائنا لكن لم نشعر بالاستقرار ما دفع أبي إلى البحث عن منزل نمكث فيه، لكن ما إن لبثنا حتَّى بدأ علاماتُ الخوف تظهر مع ظهور أول طائرةٍ حربيَّةٍ في سماء المدينة.
وبعدَ تفكيرٍ طويلٍ قرر أبي أن يرحل بنا بعيداً عن هذا الرعبِ والخوف، حيث لجأنا إلى تركيا كما لجأ إليها مئاتُ الآلاف من الشعب السوري خوفاً من بطِش نظام الأسد وجلاوزته.
بقينا على الحدود السَّورية التركيَّة خمسةَ أيَّام مرّت علينا وكأنها خمس سنوات، حيث رأينا التشرد بأعيننا فطلبنا من أبي العودة إلى سوريا فرفض رفضاً قاطعاً خشيةً علينا من القصف، وبعد معاناةٍ شديدةٍ دخلنا إلى الأراضي التركيَّة.
لتبدأ معاناةٌ أخرى أشدَّ قسوةً من سابقتها حيث أقمنا مع عوائل أخرى في مكانٍ ضيَّقٍ ولم تكن حياةٌ بل كانت مأساةً وعذاباً لمدَّة شهرين متتالين.
إلى أن تمكَّنا من الحصول على خيمةٍ خاصةٍ بنا أقمنا فيها ثلاث سنوات، وبعد فترةٍ وجيزةٍ وجد أبي عملاً في دكَّانٍ صغيرٍ يجني منه بعضاً من المال نستطيعُ من خلاله على العيش بشكلٍ مريح.
لكَّن الحنين إلى الوطنِ بدأ يظهرُ على أمي وأبي، لكن نحن لم نكن نريدُ العودةَ إلى سوريا بعد أن تأقلمنا هنا وتعلَّمنا في مدارس المخيمات.
لكن مع مرور الوقت قرر أبي العودة إلى سوريا، عدنا وعادت الحياة التعيسةُ والمليئةُ بالخوف والرعب النفسي من طائرات النظام التي لا ترحم، لكن حبُّ الترابِ يُنسي قليلاً بطش آل الأسد وطائراته.