أنا أم الشهداء ولست أم الأطباء
أمل الأحمد (كفرنبل-ادلب)
أنعم الله علىَّ بسبعة أولادٍ (أربعة صبيان وثلاث بنات) عشنا حياة ملؤها السعادة والفرح، لم ينقصنا شيء، أكمل أولادي دراستهم حتى وصلوا إلى مرحلة الدراسة الجامعية، كان الناس ينادوني بأم الأطباء في البلدة، دون أن يعلموا ماذا ينتظرني في المستقل، تخرج ولدي الكبير أحمد وحصل على شهادة الطب، كانت فرحتنا به كبيرة جداً، فبعد تخرجه بحوالي السنة تزوج من فتاة من بلدتنا ورزقهما الله بثلاثة أولاد.
أما ولدي الأصغر عبد الرحمن كان يدرس في جامعة دمشق، وبقي أمامه سنتين حتى يحصل على شهادة الطب، عندها اندلعت الثورة وغيرت مجرى حياته، ففي بدايتها كانت سلمية لكن سرعان ما ساءت الأوضاع وملأت قوات الجيش والأمن المدن والبلدات وكثرت حملات الاعتقال العشوائية، هنا توقف عبد الرحمن عن دراسته، وبدأ في مساعدة الناس والثوار بحكم عمله كطبيب، لكنه لم يدم طويلاً على هذا الحال حتى قام الجيش باعتقاله ووضعه في السجن بتهمة مساعدة المصابين، وبعد مرور سنة على اعتقاله علمنا أنه موجود في سجن صيدنايا، قررت الذهاب لزيارته، تعرضت لكثير من الاهانات والمصاعب حتى وصلت إلى دمشق وبعد وصولي بيومين ساعدني أحد أصدقائنا لزيارته والحمد لله تمكنت من رؤيته، كان في حالة يرثى لها لكثرة تعرضه للتعذيب، حاولت التخفيف عنه لكن قلبي تقطع عليه من الحزن ولم أتمكن من إخفاء دموعي أمامه، بقيت معه لمدة ساعة بعدها أعادوه إلى السجن، وعدت إلى بيتي مكسورة الخاطر وقلبي يعتصر ألماً على حاله.
بعد مرور خمسة أشهر على زيارتي له وصلنا خبر استشهاده في المعتقل من كثرة التعذيب، لقد انطفأت شمعة حياتي واسودت الدنيا في ناظريَّ على فراق فلذّة كبدي، لكني لم أكن أعلم بأن القادم أسوأ.
بدأت معناتنا وآلامنا تزداد بعد إرسال نظام الإجرام طائراته لتقتلنا، فكانت تلقي علينا الصواريخ تارةً والبراميل تارةً أخرى لتقتل الأطفال والنساء والشيوخ دون أن تميز بين كبير أو صغير، وفي إحدى غاراته الحاقدة ألقى الطيران أكثر من خمسة صواريخ على البلدة، وكان آخرها من نصيب حارتنا ليقع أمام منزلنا، من شدة خوفي ركضت مسرعة أنا وولدي أحمد لنهرب من المنزل، لكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت ولدي أحمد ممد على الأرض والدماء تسيل من جسده حضنته إلى صدري ودماؤه تنهمر بشدة من جسده الصغير، حمله أخاه وقام بإسعافه إلى المشفى، لكن الجراح كانت قد غلبت جسده النحيل، بقي مدة أسبوع في العناية المشددة وبعدها فارق الحياة ليذهب إلى أخيه تاركاً لي أطفاله.
لقد انطفأت الشمعة الثانية في حياتي، وأصبحت أم الشهداء بدلاً عن مناداتي بأم الأطباء.