حنان الأم لا يعوضه حنان
اسمي “إسراء” من قريةٍ في ريف إدلب الجنوبي، كنتُ أعيشُ حياةً سعيدةً وهادئةً مع أمَّي وأبي، وكنَّا نسكنُ في بيتٍ متواضعِ في إحدى الحاراتِ الصغيرة، وكان أبي يعملُ في سلك الشُّرطة التابع لنظام الأسد في مدينة إدلب.
مع قيام الثورة في سوريا وبعد أن عمَّت شتَّى أنحاء البلاد عمد نظامُ الأسد إلى قمعها وكسر شوكة الشعب، حيثُ بدأ الجيشُ وقوى الأمن والشَّبيحة بالانتشار في جميع المحافظات والمدن، وكان أبي يخرجُ ويشاركُ في التَّصدي للمظاهرات وعندما بدأ العنفُ قرَّر أبي الانشَّقاق من صفوف قوَّات الأسد الأمر الَّذي دفعنا للخروج من مدينتا التي عشتُ فيها طفولتي أنا وإخوتي حيثُ كنَّا خمسةُ إخوة وكان حلمُ أمي أن نعيش حياةً رغيدةً وهنيئةً بعيدةً عن الحزن والهموم.
خرجنا من تلك المدنية واتَّجهنا إلى قريةٍ صغيرةٍ يقطنُ فيها بعضُ أقربائي، وكنَّا نظنُّ أنَّها آمنة وليس فيها مظاهرات أو اشتباكات بين قوَّات الأسد والثوَّار، لكن كانت المظاهرات مستمرة وكان المدنيَّون يخرجون دائماً للمطالبة بالحريَّة وإسقاط نظام الأسد.
كانت أمَّي تخشى علينا لأنَّ المظاهرات تسيرُ من أمام منزلنا وكانت الحشودُ غفيرةً في كلِّ مرَّة، وذات يوم ذهبنا إلى أحد الأقرباء الَّذي كان يسكنُ في وسط القرية، وفي ذلك الوقت كان طيران الأسد الحربيُّ يملأُ الأجواء، وقد تعرَّضت القريةُ لعدَّة غاراتٍ جويَّةٍ وكان بيت أقربائنا هو أحدُ النقاطُ التي اُستُهدفت حيثُ كانت أمَّي داخل المنزل هي وخالتي دون أن نعرف ماذا أصابهما وهل هما بخيرٍ أم لا.
كنتُ أنا وإخوتي نلعبُ في الخارج وعند سماعنا أصوات الانفجارات عدنا بسرعة وكان الشهدُ مخيفاً جداً لأن المنزل أصبح ركاماً، تجمَّع كلُّ أهل القرية من أجل إسعاف المصابين، مع العلم أنَّ أبي كان خارج القرية وعندما وصله الخبرُ عاد مسرعاً وذهب إلى المشفى كي يرى أمَّي لكنَّه لم يستطع لأنَّ أمي قد فارقت الحياة.
عاد أبي إلى المنزل وكان الحزنُ يملاُ قلبه وعينيه، لم نستطع معرفة أي شيء عن أمي وماذا أصابها حتَّى جاء خالي ومعه أمي وهي جثَّةٌ هامدة، بدأت معاناتي مع إخوتي الذين كنت لهم أم وأخت وأنا لا أعرف ماذا أفعل معهم، قرر أبي الزواج من امرأة ثانية كي تساعدني على أمور الحياة، لم تكن مثل أمي فحنان الأم لا يعوضه حنان.
(نسرين الموسى)