رحل… وترك فراغاً لا يمكن أن يملأه أحد بعده
أنا هدى أبلغ من العمر 18 عاماً، أعيش في اسرة مكونة من أخت وأخوين، والفارق بيني وبين أخي الكبير سنة واحدة وأنا أحبه كثيراً ومتعلقة به، وهو بيت أسراري ألجأ إليه في الحزن والفرح، وقبل قيام الثورة السورية كنا نعيش في منزلنا الكائن في إدلب.
ومع بداية الثورة في بلدي سوريا، بدأت قوات نظام الأسد بنشر الحواجز في بلدتي وجميع المدن والبلدات المجاورة، ثم تطور الأمر بعد خروج الجيش من البلدات، وأصبحت الطائرات لا تفارق الأجواء، وكنا نخاف كثيراً فمنزلنا قريب من الأماكن المستهدفة، وكانت أمي عندما تسمع صوت الطائرة أو القذائف تشعر بالانهيار، فقررنا بعدها الذهاب إلى تركيا هرباً من هذه الأوضاع التي لا تطاق.
في البداية لم يكن الأمر سهلاً علينا ولكن مع مرور الأيام اعتدنا على الوضع وأصبح لدينا أصدقاء ومنزل بعد أن كنا نعيش في خيمة، ولكن لوعة الاشتياق تأكل قلوبنا، لأن جميع أقاربنا لم نعد نستطيع رؤيتهم منذ زمن طويل، ومرت السنوات وكلّنا أمل أن تُحل هذه الأزمة ولكن دون جدوى فهي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وفي ذات يوم قال أخي:” لماذا لا نذهب إلى البلدة زيارة لمدة قصيرة ثم نعود إلى هنا وبذلك نرى أقاربنا الذين اشتقنا لهم كثيراً ولقد اشتقت لمنزلنا”، وطبعاً كانت الآراء مختلفة فأمي لا تريد العودة خوفاً من الطائرات وأبي يريد الذهاب إلى البلدة وعدم العودة إلى تركيا أبداً، وبعد نقاش طويل لم نتوصل إلى نتيجة.
فقرر أخي الذهاب إلى البلدة لوحده ثم العودة إلى هنا، فقلنا بصوت واحد: لا لا لا فهو من كان يملأ البيت بالحيوية والضحك وعندما يغيب عن المنزل لساعة نشعر بأنه غاب مدة طويلة، إلى أنه بقي مصراً على رأيه وفعلاً ذهب.
وهنا بدأت معانتي، فكنا على تواصل دائم معه خوفاً عليه من أن يصيبه أي مكروه، وذات يوم كان جواله مغلق ولم يتصل ولم يرد على اتصالاتنا فاستغربنا فليس من عادته ألاّ يتصل بنا أو يرد على اتصالاتنا، وفي المساء وإذا بالهاتف يرن ويخبرنا عمي بوفاة أخي إثر حادث سير مروع أدى إلى وفاته على الفور بسبب إصابته بالرأس إصابة بالغة.
بدأت دموعي تنهمر وأنا أصرخ لا لا، ووالديّ أصيبا بالصدمة من هذا الخبر لماذا!!!!لماذا تركتنا ورحلت، لقد تركت فراغاً كبيراً لا يمكن أن يملأه أحد.
أصبح البيت كئيباً ساكناً ولم نعد نرى الضحكات التي كان صداها يملأ المنزل لقد مرت ثلاث سنوات على فراقه وحتى هذه اللحظة لم أتقبل ذلك الأمر حتى أني أشعر أحياناً أنه مسافر وسيعود… ولكنه للأسف رحل إلى الأبد دون عودة.
(وفاء المحمد)